شاهر النهاري

سيكولوجية الخوف المخيفة

الاحد - 08 أكتوبر 2017

Sun - 08 Oct 2017

من منا لا يخاف، ومن منا يستطيع الاستمرار في التعالي والتظاهر والادعاء بعدم الخوف؟ الخوف غريزة تولد مع البشر، ولا تموت إلا معهم. وتفسير عملية الخوف أنها ردة فعل للجهل بالحال، فعندما تسمع صوتا مرتفعا على حين غرة، تجد نفسك منتصبا، متأهبا، تتحين معرفة ما حدث، فالجهل ظلمة، والمعرفة نور، ولذلك لا يمكن أن يخاف الإنسان من أي صوت أو منظر أو حركة طالما أنه يتوقعها، ويعرف عنها زمنها ومكانها وقدرها وخطورتها وإمكانية أي تحور مستقبلي فيها.

الإنسان يخاف الموت، لأنه مهما كانت ديانته، ومهما كان معتقده يظل يجهل شيئا عنه، حيث لم يرجع لنا ميت من قبل ليحكي ويستنطق، وحتى لو عاد أحدهم بعد إغماءة، فإن تجربته تظل خاصة قصيرة، ولا يمكن أن تفكك جميع الأسرار المجهولة النتيجة، والتي تستمر في عقل السامع، ويظل معها معرضا للخوف من الموت.

نعم تصل درجات الإيمان إلى درجات عظيمة من اليقين لدى المؤمنين بالبعث والنشور، ولكنه يظل يوما تشيب له الولدان، بحيث تبقى فيه درجات من الجهل، تجعلنا نتعرض للخوف مهما حاولنا الإنكار.

الحوادث بأنواعها تدعو للخوف، لأن الشخص في لحظات الحادث يجهل متى وكيف ستنتهي به الحادثة.

الزلزال رعب، الحريق رعب، الغرق رعب، الانهيار رعب، الارتطام رعب، التماس الكهربائي رعب، الانفجار رعب، الضيق رعب، السرعة رعب، الحيوان المفترس رعب، الحشرات رعب، الضياع والتيه رعب، السقوط رعب، الاختناق رعب، وكلها تجتمع في الجهل بما يحدث، وما سيحدث مستقبلا.

واجتماع بعض تلك العوامل مع بعضها يضاعف من درجات الرعب فيها لحدود قد تكون قصوى عند شخص معين، وقد تكون مجرد بدايات للخوف عند شخص آخر.

الوجوه الغريبة رعب، خصوصا لو تكاملت الصورة، بالصمت، والظلال، والنظرة المريبة، والقبح في الملامح، والعلامات المستغربة كالندب والجروح، ولا يمكن تجاوز الخوف إلا بعد الوصول إلى قلب الوجه، وروحه، ونواياه.

الأفلام المرعبة تعتمد على نظريات الجهل، والتمويه، والصمت، ورفع الأصوات المبهمة، وبما يضمن أن المشاهد يجد من خلالها كمية من الجهل والغموض والترقب، الذي لا ينتهي، حتى بنهاية الفيلم، لأنها قد تستمر طويلا في عقل المشاهد الباطن، وخصوصا لو كان حدثا صغير السن، أو كان ممن يعانون من فوبيا خاصة تزيد الطين بللا.

حقيقة إننا في العالم العربي صحبة مع الخوف، فمن حولنا كل عجيب ومجهول ومرعب، حتى إنه من الممكن أن نرعب الموت ذاته.

فلم تعد الأفلام ترعبنا كثيرا، ولا المجهول يخيفنا، لمعرفتنا بأن واقعنا، يظل أقرب للخوف من غيره.

لقد صدرنا الخوف لكل أنحاء العالم، فماذا بعد أن تجد بشرا يحتزم بحزام متفجر، أو يدس في مكان ما من جسده قنبلة موقوتة، ليلعب مع الآخرين لعبة الخوف، التي لم تعد تهمه مطلقا، ضمن معتقداته المخيفة.

ما رأيناه في تفجير المساجد والكنائس قمة الرعب، بأن يقف الغافل بجانب صديق أو حبيب، وهو لا يدري بأن الشر يبحث عن أقرب منطقة يختصر فيها لحظات الخوف، ليحيل الوجود إلى مجرد ضياء أصفر كالبرق، يختصر مسافات الخوف، وينقله بأسرع لمحة لمكان لا أحد يعرف قدر الخوف فيه.

Shaheralnahari@