السعادة كما فهمتها

الاثنين - 11 سبتمبر 2017

Mon - 11 Sep 2017

شاهدت فيلما قبل أكثر من 15 سنة، وشدني مشهد بسيط لا يزال راسخا في عقلي إلى هذه اللحظة. المشهد كان في فصل دراسي وتسأل المعلمة طلابها من المرحلة الابتدائية عن صفة يتمنى الطالب أن تكون فيه. فيجيب الطلاب بصفات كالجرأة، والشجاعة، والثقة بالنفس، والقدرة على جني المال، وغيرها من الإجابات المختلفة. ما رسخ هذا المشهد في ذاكرتي هو السؤال نفسه، فما زلت أسأل نفسي عن الصفة التي أتمنى أن تكون فيَّ. ومع مرور الوقت أتعمق أكثر في هذا السؤال إلى أن سألت نفسي عن الغاية الأخيرة من تملك أي صفة. نختلف في الصفات التي نتمناها جميعا إلا أني أعتقد أننا نشترك في نفس الغاية؛ ألا وهي السعادة في هذه الحياة الدنيا. وللوصول إلى السعادة الدنيوية، قرأت كثيرا، وشاهدت أكثر، وقضيت وقتا طويلا لأستنتج الوصفة السحرية للسعادة، ووصلت إلى أن السعادة تكمن في أربع قواعد:

القاعدة الأولى والأساسية محلها الجانب الروحي. فلا يمكن أن تتحقق السعادة إلا بإيمان راسخ عن الوجود وما بعد الوجود. فكل ما ضعف إيمان المرء وزاد شكه زاد شقاؤه وقلت سعادته. والإيمان هنا لا يتطلب أن يكون إيمانا صحيحا، المهم أن ما يعتنقه الإنسان من قناعات وعقيدة تكون راسخة وقوية. فالسعادة التي أتحدث عنها هي سعادة دنيوية يمكن لغير المسلم الوصول إليها.

صحيح أن طلب السعادة أمر قد يبدو فيه حب للذات وأنانية، إلا أنه لن يتحقق إلا بالتضحية والإيثار. فالقاعدة الثانية من قواعد السعادة مرتبطة بالعطاء ومساعدة الآخرين وإسعادهم. فقيل قديما «أسعد تسعد»، وهذه حقيقة وجدتها عند أمي التي تغمرها السعادة كلما أعطت وتشع في محياها الابتسامة كلما ساعدت. والعطاء هنا ليس مرتبطا بالعطاء المادي فقط، إنما بالعطاء المعنوي والروحي والجسدي. فكثير من الدراسات التي قرأت عنها تؤكد أنه لا المال ولا الصحة ولا المكانة الاجتماعية مربوطة بالسعادة، ولكن علاقاتك مع الآخرين ومقدار عطائك لمن حولك سبب من أسباب السعادة الرئيسة، إذن فالعلاقة بين السعادة والعطاء علاقة طردية.

أما القاعدة الثالثة فهي وجود هدف في الحياة، وهذا الهدف يجب ألا يكون هدفا شخصيا كتحقيق شهوات دنيوية من شهرة ومال ومكانة اجتماعية، ولكن الهدف يجب يكون في تنمية المجتمع والوطن أو البشرية بشكل عام، فالمال والشهرة لا يجب أن يكونا غايات بذاتها وإنما وسائل لتحقيق أهداف أسمى. خلال زيارته لمقر ناسا، سأل الرئيس الأمريكي جون كنيدي عامل النظافة عما يقوم به فأجابه العامل: «سيدي الرئيس، أنا أساهم في وصول الإنسان إلى القمر»، هذا الشعور بأهمية ما تقوم به للعالم وللمجتمع، وأن وجودك له هدف كبير كاف أن يحول حياتك من حياة عادية روتينية إلى حياة سعيدة هادفة.

والقاعدة الأخيرة والمهمة لتحقيق السعادة هي خلو القلب من الحقد والكراهية والحسد وأن يكون القلب مستوعبا الاختلافات التي هي من أسباب الوجود، فعلينا جميعا تقبلها والعيش معها لنظفر بالسعادة.

وإن القلب الذي يكره لن يذوق طعم السعادة ولن يهنأ بحياته، فالكره يؤذي الكاره ولا يؤثر على المكروه. ولهذا ندعو الله بسلامة القلب وطهارته فهي من أسباب السعادة الدنيوية ونجاة من النار في الآخرة. ألم يقل رب العالمين في كتابه عن عذاب يوم القيامة «يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم».

قفلة: هي السعادة نطلبها، وربما نعرف طريقها، لكن هل بإمكاننا تهذيب أنفسنا لننال سعادتي الدنيا والآخرة؟