دور الحوكمة في المساهمة المجتمعية

الجمعة - 04 أغسطس 2017

Fri - 04 Aug 2017

المساهمة المجتمعية تقدمها الشركات بكل طواعية لدعم تنمية المجتمع الذي تعمل فيه، ونلاحظ أن هذه «المساهمة المجتمعية» آخذة في الزيادة، وهذا تطور حميد يجب أن يجد العناية والتشجيع من كل الأطراف حتى يعود بفوائد ملموسة على كل المجتمع. والشركات، خاصة الكبيرة، التي تعمل في مجالات تقنية المعلومات، ومجالات الاتصالات الذكية وغيرها من الخدمات، والشركات التي تعمل في المجالات المالية والاستثمارية والبنوك والشركات الصناعية والزراعية والمختلطة ... هذه الشركات تحقق أرباحا بسبب إقبال الجمهور على منتجاتها وخدماتها، ولو لا هذا الإقبال «لبارت» السلع وساد الكساد.

وعليه فإن الشركات وعرفانا منها بهذا الجميل فإنها وبمحض إرادتها شعرت بضرورة إعادة جزء ولو يسير من هذه الأموال لتصب في مشاريع يستفيد منها المجتمع، وما يخرج من أموال من جيوب الجمهور يعود لهم بالباب الآخر محملا

بالخيرات، وليس في الإمكان أحسن مما كان.

وبالطبع فإن نظرة كل شركة لدورها في «المساهمة الاجتماعية» يتوقف على نظرتها وفلسفتها لهذه المساهمة. ومع تطور الزمن، فإن «المساهمة الاجتماعية» أصبحت جزءا لا يتجزأ من مبادئ حوكمة الشركات الحديثة التي تتبعها الشركات حتى لا تغرد خارج السرب وخاصة فيما يتعلق بهذا النشاط الهام. وعلى الشركات الالتزام بوضع اللوائح والضمانات القانونية التي تسهل وتضمن تنفيذ المساهمة المجتمعية بطرق سليمة وفق الضوابط والمتطلبات القانونية. ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن «المساهمة المجتمعية»، ووفق مبادئ الحوكمة، يجب أن تأخذ شكلا محددا ونمطا ثابتا مدروسا بطريقة مؤسسية سليمة وليس «فتات» إكرامية أو «عطية مزين»، بل وفق دور محدد وبرمجة مؤسسية سليمة متكاملة.

وفي هذا الإطار فإننا نلاحظ أن بعض الشركات «تتفن» وتبدع في المجالات التي تختارها لمساهمتها المجتمعية وتحرص على تقديم المفيد والجديد للمجتمع في كافة المجالات، كالمساهمة في القطاع الطبي أو القطاع التعليمي أو في الأنشطة الخاصة بدعم الشباب والمرأة أو غير هذا من النشاطات الخدمية لكل المجتمع وربما أيضا بصفة خاصة في مشاريع لدعم موظفي ومنتسبي الشركة وأصحاب العلاقة ... «والأقربون أولى بالمعروف»...

وفي الجانب الآخر، نجد بعض الشركات تقدم المساهمة دون بث روح الشركة فيها ومن دون إبداع أو فن أو حرفية وتشعر أنها تقوم بهذا العمل تأدية واجب فقط. وهناك بالطبع فارق كبير بين هاتين الحالتين. وكل هذا قد يستدعي مراجعة الوضع، وتطبيق أهداف دور الحوكمة، لخلق أرضية عامة «مثالية» يستفيد منها كل المجتمع على أفضل وجه لتحقيق فلسفة «المساهمة الاجتماعية» بصورة سليمة وهادفة.

ربما يكون من المفيد، وضع استراتيجية واضحة لتنسيق الأمور الخاصة بالمساهمة «المجتمعية» التي تقدمها الشركات وفق إطار عام يخدم كل أطياف المجتمع في البلد. مع ضمان التنفيذ بصورة عامة بعيدا عن نظرة الشركات التي ربما تكون «شخصية» ولا تخلو من الأغراض الذاتية للشركة. بمعنى آخر، العمل على المزج بين رغبة الشركات ورغبة المجتمعات حتى تعود لها مساهمة الشركات «بردا وسلاما».

هناك بعض البلدان التي اختارت الذهاب للميل الإضافي في هذا المنحى، حيث قامت بوضع تشريعات قومية تلزم الشركات بتجنيب نسبة معينة من أرباحها السنوية وتخصيصها للصرف في أوجه المساهمة المجتمعية. هناك من ينتقد هذا الأمر ويقول إن هذا يشكل نوعا جديدا من الضرائب التي تفرض على الشركات للاقتصاص من أرباحها.

ولكن هناك من يرى، ونؤيدهم في هذا، أن الأمر لا يمكن أن يعتبر نوعا من الضرائب خاصة وأن الشركات هي التي تقوم بنفسها بتحديد المشاريع الخاصة بالمساهمة الاجتماعية وكذلك الشركات نفسها هي التي تقوم بالصرف وتوفير التدفقات المالية على حسب رؤيتها ونظرتها وأولوياتها. وهذا بعيد كل البعد عن الضرائب التي تسلم للدولة عدا نقدا كفرض عين، والدولة هي التي تتصرف فيها بمطلق الحرية على حسب الموازنات المعدة سنويا.

هذه بعض الأمور التي ربما يكون مفيدا دراسة إمكانية الاستفادة منها حتى تؤتي المساهمة المجتمعية أكلها لصالح المجتمع هنيئا مريئا. وقطعا، في النهاية فإن المجتمع هو الذي سيقرر مدى نجاح مفعول ما تم تقديمه له من الشركات للمساهمة في تنميته وتطوير أركانه، ومن هذا الرابط الخاص تنمو العلاقة وتتوطد بين الشركات والمجتمع، وتنعدم الروح الأنانية ويبتعد الجشع ليسود التلاحم لمصلحة المجتمع، وهذا يعزز مفهوم التنمية للجميع ولمصلحة الجميع ويساهم فيها الجميع يدا بيد، ونقول «ليس بالإمكان أحسن مما كان».

الأكثر قراءة