ممنوع اصطحاب الأطفال

الثلاثاء - 25 يوليو 2017

Tue - 25 Jul 2017

قال تعالى «المال والبنون زينة الحياة الدنيا..» الكهف 46. والبنون زينة، أي مصدر متعة وسعادة وفرح للأبوين، وهذا صلب موضوع اليوم، وطالما أن البنين مصدر سعادة، فهم يستحقون من الأبوين أو من يقوم مقامهما الحرص والعناية بإخلاص وإيثار وبذل ما يناسب من الجهد والعطاء حيالهم.

يمر الإنسان بمراحل نمو عدة، وهي دوائر اجتماعية تتسع رويدا رويدا. أولى هذه الدوائر هي دائرة المجتمع الصغير جدا المتمثل في والديه وإخوته ومن يعيش داخل هذه الدائرة، مرحلة الحضانة، منذ الولادة إلى الثالثة من العمر. ثم تتلوها دائرة مجتمع العائلة، حيث الجد والجدة والخال والخالة والعم والعمة وأبناؤهم وبناتهم، إنها مرحلة الطفولة الأولى، من الثالثة إلى السادسة. ثم مرحلة الطفولة الثانية، مرحلة المدرسة، من السادسة إلى الثانية عشرة. المرحلتان الأخيرتان لهما أهمية كبيرة في تكوين النضج الاجتماعي. يلي ذلك مرحلة المراهقة وفيها تتجلى ملامح ثمرات التربية في المراحل السابقة. وفي مرحلتي الطفولة الأولى ومرحلة الطفولة الثانية يا أحبائي تكمن الجناية الكبرى التي نرتكبها تجاه أبنائنا وبناتنا فلذات أكبادنا.

كان الأطفال فيما مضى يمارسون حقهم في اللعب والجري وممارسة كثير من الأنشطة والصداقات مع بقية أطفال الحارة فيكتسبون المهارات التي يحتاجونها فيما بعد من مرونة في التعامل وقبول الآخر، وإدراك أن لكل فرد خصائصه المختلفة، وأن هناك قيما ومفاهيم كالحرام والحلال والعيب واللائق وغير اللائق، كل هذه مكتسبات يجنيها الطفل من خلال التعلم غير المقصود في طفولته، إضافة إلى ما ينقله الأبوان وكبار الأسرة إلى الطفل من خبرات وقيم وتقاليد وأعراف. ليست هذه فقط مصادر المعرفة المتحققة للطفل، بل أيضا تبادل الزيارات بين الأقارب والجيران، حيث يكون الأطفال حاضرين بصحبة والديهم أو أمهاتهم ليلعبوا مع أطفال مضيفيهم، كما تصطحب الأسرة أطفالها في كل المناسبات والأفراح.

ولو قارنا ذلك بما هو حاصل في أيامنا هذه، يتبين لنا مدى معاناة أطفالنا الآن، فلا يستطيع الطفل اللعب في البيت خوفا على أثاث البيت وتحفه من التلف. ولا يسمح له باللعب في الشارع خوفا عليه من خطورة التعرض لحوادث السيارات أو فساد أخلاقه. ولا يسمح له بمرافقة أي من والديه في الزيارات الأسرية حتى لا يتسبب في إزعاجهما، حتى في الأفراح، فيذكر في بطاقة الدعوة عدم اصطحاب الأطفال. ومثل هذه العبارة تذكرني بمرارة بماضي التفرقة العنصرية في أمريكا. يتمثل كل كرم وعطاء وبذل الأبوين في تجهيز غرفة مزودة بالتكييف والأثاث الجميل وتوفير الحاسب أو الهاتف الذكي، ثم ينصرف كل من الأبوين لهاتفه الذكي، أو لمتابعة المسلسلات وهكذا يتخلصون من إزعاج أطفالهما، ويتجاهل الأبوان خطورة إدمان التعامل مع تلك الأجهزة اللعينة على سلوكهم وعلى أبدانهم وما ينتاب تصرفاتهم بعد ذلك من غموض وغرابة واضطرابات.

عزيزي، هل هذه هي رسالة الأبوين تجاه فلذات أكبادهم؟ لو تعلمون أن هذه المرحلة قد تتحول بالنسبة لهذا الطفل، خاصة في مرحلة المراهقة، إلى مرحلة تيه وضياع لاعتراكم القلق الشديد، لكنه الهروب من المسؤولية، بل الأنانية في أبشع أوجهها. ونتعجب لماذا يمقت المراهق فيما بعد بيته! ولماذا يتأخر في الحضور ليلا! ولماذا يتنمر على والديه! ولماذا يهتم بأصدقائه الغرباء أكثر من أقاربه! فلا ذكريات مشتركة ولا إحساس بوشائج القربى، بل وجهل بتفاصيل هامة تتعلق بأقاربه وأقرانه منهم بالذات.

إن من أحق حقوق الطفل على والديه أن يحظى بتربية صحيحة سليمة، اجتماعيا وأخلاقيا وبدنيا ودينيا بما يمكنه من ممارسة حياته في مرحلة البلوغ كإنسان ناضج ومواطن صالح قادر على النفع والعطاء والتفاعل مع الآخرين، يدرك حقوقه وواجباته وما له وما عليه. الطفل يا أحبتي ليس شيئا من مقتنيات الأسرة وليس ملكا لأحد، وليس لأحد الحق في التصرف به بما لا يتناسب وطبيعته وحاجاته ومرحلته العمرية إلا بما يضمن له السلامة والنمو، وهذه حقوق ضمنها لها التشريع الإسلامي قبل وجود حقوق الإنسان، ومن ثم حقوق الطفل التي صادقت عليها ربما معظم دول العالم.

اثنتان يا عزيزي القارئ مسؤولتان عن بناء المواطن المسلم الصالح الناجح البناء المعطاء، لا تلقيان الحد الأدنى من العناية والاهتمام، هما التربية الصحيحة الواعية المسؤولة بدءا من يوم ولادته، ثم المدرسة الابتدائية، وسيكون لي مع المدرسة الابتدائية وقفة فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الأكثر قراءة

مصعب فالح الحربي

خالد في رحاب بارئه