هل نحن نعادي النجاح؟

الجمعة - 21 يوليو 2017

Fri - 21 Jul 2017

الشجرة المثمرة ترمى بالحجار، حسنا الشجرة المثمرة لا تعطي من يحتاجون ثمارها بل تمنعها عنهم وترتفع بها وتأبى بزكاتها حتى يشتدوا في طلبها، فالموضوع لم يكن أبدا إسقاطا للناجح بل كان دائما أسلوبا لإثبات تعجرف البعض والنظر للموضوع من زاوية واحدة وعدم النظر للجانب الآخر فيه.

الموضوع ليس عن شجرة ولا إسقاط عنها، الموضوع عن الإنسان وطبيعته الاجتماعية أو المعيشية، والعقبات التي سيواجهها في طريق نجاحه، وهذا -أي موضوع العقبات- لا يمكن فتحه أو الحديث عنه حتى نتخيل أن البشر بطبيعتهم العدائية سيقفون في طريقك، وأنا لا أختلف في هذا ولكن هل فكر أحد يوما أو تنازل عن الجانب الآخر السيئ منه، ذلك الجانب الذي نحاول إخفاءه قبل النوم حتى نستطيع أن ننام، ماذا لو كنت أنت تلك العقبة في طريق أحدهم؟ لماذا لا نفكر بهذه الطريقة حتى نستطيع أن نعرف هل نحن فعلا نعادي الناجح! وحتى نفهم الأمر، فعلى مقياسي لم يحمل أحدهم هما وطريقا كاملا ليوصله كما حمله رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء من قبله، ورغم كامل الرسالة كان هناك من يعادي لها، لأهواء شخصية أو لخوف من فقدان مناصب أو لكبر وغيرها الكثير من الأسباب، فإن كان نبينا صلوات ربي عليه قد أعلن له العداء فمن نحن لكيلا نجد هذا في طرقنا مهما كانت.

نحن كبشر قد نكون عقبات في طريق غيرنا لأننا لم ننظر للموضوع بنظرهم، وقد فعلناها كثيرا دون أن نعي حتى هذا، فحاولنا التقليل من أفكار أو آراء وأشخاص مناقضة لنا بحجة أنها «مناقضة لنا!» لأننا بالأساس خفنا على شجرة رأينا التي نتوقع ثمرها من أن تقص من قبل حطاب آخر ليزرع مكانها شجرته الخاصة!

نحن نكون عقبات كثيرا عند طرح فكرة جديدة، لأننا كبشر نخاف من المجهول ونخشى مالا نعرفه وهذه طبيعة فينا لم تكن عيبا أو غلطا يجب أن نحاسب عليه بل يجب أن نفهمها ونكون مستمعين ومدركين لمنظور الأمور كما ينظر لها الطرف الآخر والذي يختلف عنا في أشياء كثيرة حتى لا نصبح أحد تلك العقبات في طريقه.

نحن نعادي الآراء غالبا ولعدائنا معها نقع في الخطأ الذي يجعلنا نعادي معها من قدم هذا الرأي ومن صمم عليه ومن حاول إثباته، وغالبا عند وصول رأيه لمرحلة ما نستطيع فيها إدراك فوائده أو فهمه والاستفادة منه نتوقف عن عدائه فنحن «كبشر» لا نعادي الناجح ولا نرميه بالحجار بل نعادي المجتهد الذي يحاول الوصول لطريق النجاح الذي يراه وبين الأمرين اختلاف كبير جدا.

كوبرنيج حرم من التكلم في موضوع يعتبر مسلما الآن وهو أن الأرض ليست مركز الكون، كوبرنيج استعدي لما اجتهد أما الآن فهو ناجح ومظلوم بنظر البشرية كلها، وعندما قال بنيامين فرانكلين لجمعية لندن عن رأيه في مانع الصواعق لم يعيروه أي اهتمام لاجتهاده واليوم كل ناطحات السحاب في العالم تضع هذا المانع عليها، عباس بن فرناس سحبوه للمحكمة في قرطبة لأنه يجرب خلط المواد، واليوم في كل الدول مختبرات للكيمياء تخلط وتقوم بتجارب غريبة بين المواد.

البشرية لا تعادي الناجح، فقد الحاسد والغيور من يفعل، البشرية تعادي المجتهد برأي أو فكرة جديدة لأنها تخاف التغير وتخاف أن يكون هناك رأي يغير عليها ما اعتادوا عليه، يخافون من المجتهد أن يزرع هذا الاجتهاد فيكون سببا لجذب الناس على ثماره أكثر من شجرتهم، وكلنا كنا عوائق في طريق أحدهم بقصد أو بدون، فقط تذكر بعد أن قرأت هذا وحتى لا تكون ذلك العائق الكبير أمام شخص له رأيه حتى لو استغربته أو رفضته بعد اليوم بأن تتوقف عن «شخصنة» الأمر مع اسم من حدثك برأيه وحاول أن تنظر لرأيه من جهة أخرى وإن لم تجده مفيدا أو يستحق فقل إنك لا تقبله، ولا تقل إنك لا تحترمه ولا تنصب العداء في كل مكان عليه، فكم من الآراء نراها غريبة اليوم ستكون بعد سنين أشجارا تعطي الناس خيرها ولا تمنعها عنهم.