العيد بين الماضي والحاضر

الخميس - 06 يوليو 2017

Thu - 06 Jul 2017

العيد في اللغة من العود، وهو اليوم الذي يعود فيه الفرح، والحزن عند العرب، لكن غلب عليه الفرح. ولكل الشعوب أعياد دينية، أو وطنية، أو اجتماعية، وأما نحن المسلمين فترتبط أعيادنا بفرائض دينية، فعيد الفطر يعقب رمضان شكرا لله على ما أتم علينا صيامه وقيامه. وعيد الأضحى يعقب يوم عرفة شكرا لله على ما أنعم به على بعضنا بالحج. وما يميز أعيادنا عن أعياد غيرنا أنها أعياد محبة وتكافل، ومساعدة للمحتاجين. فزكاة الفطر قبيل عيد الفطر، وذبح الأضحية في يوم عيد الأضحى توزع للمحتاجين.

وكذلك هي مرتبطة بعبادتنا حيث تبدأ بصلاة، وخطبة تدعو للتقوى، وألا يجرنا فرحنا للمعاصي. وهي أعياد اجتماعية باجتماع الناس للمعايدة والزيارات واللقاءات. كان العيد قبل خمسين سنة تقريبا بسيطا جدا، فمعظم الناس لا يلبسون الجديد إلا فيه، لقلة ذات اليد، وكان اجتماعهم للمعايدة في المسجد غالبا، أو في ساحة في الهواء الطلق لأداء بعض الرقصات الشعبية، والمعايدة العامة أيضا. ويجتمعون كذلك بعد صلاة العيد على مائدة الإفطار، أو في أوقات أخرى، ويتجمعون كذلك للذهاب لمعايدة شيوخهم وكبارهم في مساكنهم، وبهذا كان عيدهم اجتماعيا. وفي زماننا هذا تحول العيد إلى الحالة الفردية بدل الحالة الجماعية، حيث لكل فرد، أو عائلة عيدها المختلف عن غيرها.

فبعض الناس ينامون عن صلاة العيد، ثم يستيقظون متأخرين جدا، فيكتفون بإرسال رسائل الواتس اب بدل لقاء الآخرين! وفي السنوات الأخيرة أخذ الناس يقضون العيد في الساحات العامة، والأماكن التي خصصتها البلدية لحضور المهرجانات التي تقام فيها الألعاب النارية، والمسرحيات، والألعاب، والمعارض والأنشطة الترفيهية. وكذلك يذهبون إلى المطاعم، ومدن الملاهي والترفيه، والديوانيات والاستراحات مما فوت عليهم حميمية اللقاء، ومن يكون ميسورا، وذا حظ عظيم فيقضيه مسافرا، وأحسن ما يجمع الناس فيه حضور الأعراس التي تكثر في العيد. وللأسف، فقد العيد الآن بريقه وتحول إلى عبء اجتماعي بالتبرم من زيارة الآخرين، وحلت المجاملة بدل المودة الصافية، وكذلك ضعفت حميمية اللقاء من المنازل إلى الاستراحات والأماكن العامة.

وكذلك أصبح عبئا اقتصاديا بالإسراف بالولائم، والمبالغة بالترفيه والسفر، وغيرها. وتحول إلى مشكلة أسرية فكل فرد في الأسرة يريد قضاء العيد حسب رغبته، فالأب مثلا يريد قضاءه في البلد، والأم خارجه، والأولاد عند أصحابهم. والطامة الكبرى التي زادت فقد بريق العيد وسائل التواصل الاجتماعي؛ لاكتفاء الناس برسائل الواتس اب بدل اللقاء. وكذلك الأطفال لم تعد تفرحهم الملابس الجديدة كما كانت تفرحنا، ولا العيدية البسيطة لتوفر النعم في كل وقت! ومن ثم ظهر لنا دعاة الحزن يقولون: كيف تفرحون، وترقصون، وتطربون، وأنتم تشاهدون إخوانكم يقتلون، ويذبحون في فلسطين وغيرها؟ ونحن نرد عليهم أن الفرح في العيد واجب إسلامي به نجدد أنفسنا؛ لنعود أقوى مما كنا، وإلا سيستبد بنا الحزن من كثرة ما نشاهده من المآسي، وستضعف هممنا عن أداء أمور دنيانا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت».

والحمد لله الذي جعل بلادنا آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان، وقد احتفلنا قبل أيام بعيد فطرنا متجاهلين قول المتنبي في قصيدته المشهورة «عيد بأية حال عدت يا عيد..».

ولقد عبر الإمام علي، كرم الله وجهه، عن العيد في إحدى خطبه، في أحد الأعياد قائلا «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد».