عودا على بدء

الجمعة - 30 يونيو 2017

Fri - 30 Jun 2017

البدء كان مرارة الشكوى من انفصال التعليم عن الواقع (في المقالة السابقة)، والعود هنا عطف على حل أولي مقترح هناك بأن نبدأ الحل من أنفسنا لتجسير هوة هذا الانفصال.

واليوم نتلفت إلى المحيطين بالعملية التعليمية فنرى المنهج والمعلم والطالب والمؤسسة القائمة على تسيير العملية برمتها ألا وهي الوزارة.

فإذا جئنا للوزارة باعتبارها مقررة المنهج الدراسي نكون أصبنا عصفورين بحجر وأشركنا عنصرين من عناصر العملية، المنهج الذي ارتضته الوزارة – في مساحة كبيرة منه - ليس صالحا للحقبة الزمنية التي يعيشها الطالب في هذا الزمان، لا ننسى أن طالب اليوم - في جميع مراحله الدراسية – هو ابن التقنية، وأستاذ أستاذه فيها، فالإنصاف وتحري مصلحة هذا الطالب يقتضيان أن نتقن المنهج (نربطه بالتقنية) كأن تقدم له المناهج على شكل تطبيقات مثلا، ونتيح الفرصة لأصحاب التخصصات أن يبدعوا في تصميم تطبيقات مناهجهم، ويشعروا بالتنافس في ذلك، وسنرى من إبداعاتهم عجبا.

وأظن أن ميزانية التعليم تستطيع الوفاء بتكاليف المنهج التقني وما يستتبعه من احتياج الأجهزة والمعامل، لتصرف الوزارة مخصصات طباعة الكتب لهذا الغرض، ولتسدد ولتقارب ثم لتتأمل وزارة التعليم مليا في العصر ومتطلباته، ولتتأمل مليا في شغف الطالب، أين يجد نفسه وأين تكمن حرفيته؟

وببراعة تخطيط نستطيع المواءمة بين أهداف التعليم المقررة مسبقا – مع العلم أنه من الممكن جدا التعديل عليها بما يناسب فهي ليست قرآنا منزلا - وبين احتياج العصر واحتياج طالب العصر.

إن وجدت النية فخطوة أولى كفيلة بأن تسلم إلى نجاح التنفيذ في خطوات متتابعة مدروسة. ليعلم كل من يقوم على التعليم، أن طالب اليوم إنما يأخذ منهجه ومعلميه على قدر عقولهم، ويتجاوب معهم بما يرضيهم، لا بما هو مقتنع به - شعور صعب أن تشعر أن ثمة من يتجاوب معك ليجاملك فقط دون قناعة، (يأخذك على قد عقلك)- وهذه حقيقة واقعة لا يسع من يمارس العمل في التعليم المماراة فيها ولا إنكارها ما لم يكن مكابرا.

فمناهجنا لم تصل بعد إلى المرحلة التي نستطيع أن نسمها فيها بأنها مناهج حيوية – وإن كان السبب في ذلك لا يقتصر على بناء المنهج وحده - أي يمكنها إن تجر رجل المتلقي إلى الواقع، أو بالأحرى تجر هي رجلها إلى واقع المتلقي.

إذن، ماذا نريد للمنهج ومن المنهج؟ إعادة النظر فيه، لا عن طريق لجان تشكل وتقرر بشأنه ما تراه، بل عن طريق استطلاع شامل لرأي المعلمين، ما الذي يزعجهم في المنهج؟ وما الذي ينقصه؟ ما الذي يحول بينهم وبين أدائه على الوجه الأكمل؟ ماذا يلاحظون على تلاميذهم حين يقصون عليهم حكاية منهجهم؟ في أي المواطن ينشطون؟ ومتى يكسلون؟

وهل عبر لهم تلاميذهم صراحة عن رأيهم في المنهج، استياء واستحسانا؟ كما لا بد أن يشمل الاستبيان كذلك استطلاع آراء الطلاب وأوليائهم.. كل هذا عن طريق الاستبانات الالكترونية، ثم تجمع الردود وتسلم للجان من بعد، على أن تضم اللجان أخصائي تخطيط وبناء مناهج وأساتذة علم نفس وعلم اجتماع ومن قبل ذلك ومن بعده فقهاء واقع مهما كلف العمل من جهد ومال ووقت إلا أنه مرجو الفائدة ومؤمل النفع بإذن الله.

فـ(أن تصل متأخرا خير من ألا تصل)!

الأكثر قراءة