وقفات مع الاعتكاف

الأربعاء - 21 يونيو 2017

Wed - 21 Jun 2017

يعيش المسلمون في هذه الأيام أعظم مواسم الطاعات، فنجد الكثير منهم في سباق وتنافس على اغتنام هذه المناسبة والاستزادة من الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى الله زلفى، ولا يعلم أحدهم هل سيدرك القابل منه أم لا.

كما أن شهر رمضان مدرسة إيمانية، وواحة ربانية، ومحطة مهمة في حياة الإنسان المسلم، يعيد فيه ترتيب أوراقه، ومراجعة سلوكه وعلاقاته مع ربه.

ومن أجل الأعمال وأفضلها والتي ينبغي على المسلم القيام بها في العشر الأخيرة من رمضان هو الاعتكاف، اقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده».

والمقصود بالاعتكاف هو لزوم المسجد بنية مخصوصة، لطاعة الله تعالى، وحكمه سنة مؤكدة، وقربة عظيمة، ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.

ومن المهم أن يدرك المعتكف مقاصد هذه العبادة ليتمها على الوجه المطلوب، حيث إن من أهم مقاصدها هو التماس ليلة القدر، ويبين ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل «إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف» فاعتكف الناس معه، (صحيح مسلم): (1167)

كما أن الاعتكاف يؤصل في نفس المعتكف مفهوم العبودية الحقة لله عز وجل، ويدربه على هذا الأمر العظيم الذي من أجله خلق الإنسان، حيث إن المعتكف قد وهب نفسه كلها ووقته كله متعبدا لله عز وجل.

ومن مقاصد الاعتكاف كذلك الخلوة بالله عز وجل، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره، وإصلاح القلب، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته، والانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن، والتقليل من المباح من الأمور الدنيوية، والزهد في كثير منها.

ومن آداب الاعتكاف ما ذكره ابن قدامة: يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وبذكر الله تعالى، ونحو ذلك من الطاعات المحضة، ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يكثر الكلام، لأن من كثر كلامه كثر سقطه، وفي الحديث «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

أما الأخطاء التي ينبغي التنبيه إليها في الاعتكاف فمنها أن بعض الناس يجعل الاعتكاف فرصة للقاء الأصدقاء، والاجتماع بهم، والتحدث إليهم، والمسامرة معهم، بالإضافة إلى انشغال البعض بالأجهزة الذكية، مستغرقا وقت الاعتكاف في مهاتفاته ومخابراته، والبعض الآخر تجده نائما وربما قطع الصفوف بنومه. فالمعتكف لم يترك بيته وأهله وأولاده لينام في المسجد، وإنما جاء ليتفرغ لعبادة الله وطاعته، وقد يحدث من بعض المعتكفين وخصوصا في الحرمين ألا يصلي صلاة التراويح مع المصلين اكتفاء بصلاة القيام، ومن ثم يظل يشوش على المصلين بأحاديث لا طائل من ورائها.

ومن الأخطاء الواقعة في هذا الموطن تفريط وتقصير بعض المعتكفين في حق أهله وأولاده، إذ ربما ترتب على غياب المعتكف عن أهله مفاسد ومشكلات لا تحمد عقباها، كتسيب الأبناء وانحرافهم وهو في معتكفه، وإذا كان الاعتكاف سنة مستحبة، فإن المحافظة على الأهل والأبناء من الواجبات التي لا ينبغي التفريط بها.

ومن هنا فالواجب ألا يكلف المرء نفسه ما لا تطيق، ففي الأمر سعة، فمن لا يستطيع الاعتكاف في الحرمين فله أن يعتكف في مسجد الحي، ومن لا يطيق اعتكاف العشر فلا يتردد باعتكاف أقل من ذلك، وفي كل خير.