الإسلام ونظرية الخير العام

الجمعة - 16 يونيو 2017

Fri - 16 Jun 2017

التعاون على الخير العام من جوهر دعوة الإسلام العظيم، وما التشارك في «الأخوة الإنسانية» إلا دعوة فطرية للاجتماع على الخير العام. وما مبادئ الإسلام الكبرى إلا داعية ومبينة لذلك، فالأخوة الإنسانية التي تربط بين الجميع برباط وحدة الأصل الآدمي، والصداقة الوفية التي تنقي الضمائر وتقدر الأعذار، واحترام إرادة الآخر الذي يغرس الوئام في القلوب، والالتزام بالنظام العام للدول الذي يسد الذريعة إلى الإفساد، كل ذلك من أهم العوامل التي يتوقف عليها قيام السلام وتحقيق الخير العام في الأنام.

بل لي أن أقول: إنه لا يمكن أن يتحقق الخير العام إلا إذا توفرت له هذه المقومات. ودعوة الإسلام إلى الالتفاف حول الخير العام دعوة جوهرية عالمية شاملة، أجدها في قوله جل وعز «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير» آل عمران: 104.

فلفظ الخير الوارد في الآية في قول بعض المفسرين يصدق على كل خير، ومن ثم فإن المسلمين مأمورون أولا بالبحث عن كل خير، ومشاركة غيرهم في ذلك، أينما كان مكان الخير، في الشرق أو في الغرب، لأن البحث عن الخير من مبادئ ومقتضيات الدعوة إليه، إذ لا تتصور دعوة المسلمين إلى الخير إلا بعد معرفتهم به، ولو أنهم تركوه لأنه عند غيرهم لكان ذلك إخلالا منهم بتكليفهم وموجبات إيمانهم.

ثم إنهم إن وقفوا على الخير، أينما كان مصدره منهم أو من غيرهم، فإنهم مكلفون بالأخذ به ومشاركة غيرهم في ذلك، ليكونوا كما وصفهم جل وعز»كنتم خير أمة أخرجت للناس» آل عمران: 110.

فالأمة الخيرة هي الأمة المتلبسة بالخير، كما أنهم مكلفون مع ذلك بمعونة غيرهم للعمل بالخير والانتفاع بأثره، لقوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى» المائدة: 2.

والبر اسم جامع لكل خير، ولو أنهم أمسكوا عن المشاركة في الخير أو التعاون عليه لكونه من اكتشاف غيرهم لكان ذلك أيضا إخلالا منهم بتكليفهم وموجبات إيمانهم.

وإذا كان المسلمون مكلفين فوق ما سبق بدعوة الناس إلى الخير الذي عرفوه، وأعظمه التوحيد، وأخذوا به حتى لا يقف الانتفاع به عندهم، فإن مما ينبغي لهم عند ذلك وهم بصدد الدعوة أن يشملوا غير المسلمين بالدعوة إلى الخير، لأن الأمر في الآية أمر عام شامل للبشر جميعا على اختلاف أديانهم وأجناسهم وألوانهم. يقول الطاهر ابن عاشور - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: «وحذفت مفاعيل يدعون، ويأمرون، وينهون، لقصد التعميم، أي يدعون كل أحد». (التحرير والتنوير 4/40).

ومما سبق يتبين لنا أننا نحن المسلمين مأمورون بالاجتماع مع الآخر حول الخير، بحثا وعملا وتعاونا ودعوة، حيثما كان هذا الآخر في الشرق أو في الغرب، وأيما كان أيضا، وأننا مأمورون بالالتزام مع الآخر بمبادئ الأخوة الإنسانية، والصداقة الوفية، وقواعد النظام العام الخاصة بكل قطر، لأن دعوة الإسلام إلى تحقيق الخير العام في الوجود تنطوي على مشروعية كل هذه القيم الجليلة المؤسسة له، وغيرها مما لا يقوم الخير العام إلا به. شكر الله لكل داع إلى الخير العام، فلا يتحمل الدعوة إليه إلا من كان له حظ من سعة الأفق، وبعد النظر، بما يخدم الإنسانية جمعاء، وبما يسهل على المسلم التعامل مع غيره بروح العطف واللطف، والإحسان، وهذا ما يجعل شعار «الإسلام للجميع» شعار الحياة، علما وعملا ودعوة وصبرا. بقي أن أقول: الإسلام للجميع شعار للجميع، دام خيركم العام للدنيا. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأكثر قراءة