آلاء لبني

ربة منزل وعاملة

الخميس - 09 مارس 2017

Thu - 09 Mar 2017

لكل مجتمع خصوصيته التي تميزه عن غيره، هذه الجملة التي نسمعها مرارا وتكرارا لوصف وضع نصف المجتمع (المرأة)، لا أتفق مع هذه الكلمة ولكن أعي فعلا حقيقتها وضرورة التطبيع معها، النقاشات والتضاد التي تزدهر خصوصا في مناسبة اليوم العالمي للمرأة مزعجة، والمقارنة بين الشرق والغرب وفكرة التغريب ودعوى الغرب لهدمنا أخلاقيا؛ خلط الأمور بينها كخلط الماء بالزيت، لماذا نخلط بين قضايا العدل ومساعدة المرأة في كسب حقوقها أسوة بالرجل وحقيقة التفسير الخاطئ لبعض النصوص الدينية على ضوء تقاليد المجتمع وليس وفق المعنى الحقيقي المجرد من أي تأثير، التخبط بين المقارنة بين المرأة في الغرب وكيف أنها سلعة، وتمسك الحركات النسوية بالمناداة بقضايا فرعية وترك قضايا أكثر أهمية ألف مرة، أنتج مجتمعا هشا يركز على القشور ويترك الجوهر، ويضيع بين من يرى النقص في أهلية المرأة وبين من يوجب اقتيادها كنعجة وبين من يريد التحرر من كل شيء ويرى أن الموروث الديني أساس المصائب.

أحمد الله أن رزقني عشق القراءة الذي استثمره جدي أحمد العقاد فيّ، ففي عمر الـ13 أعطاني كتاب حقوق المرأة وواجباتها في ضوء الكتاب والسنة لفاطمة نصيف، أثر الكتاب علي جدا وحفظ عقلي من جنون وأفكار المدرسة وشيوخ الصحوة ومن ضحالة الفكر في بعض الطرح الاجتماعي كرأي البعض أن الغرب كفل حقوق المرأة التي ضيعها المجتمع المسلم.

فقد فتح لي الكتاب آفاقا عن وضع المرأة قبل الإسلام، والمرأة في الديانات القديمة، والمرأة في المجتمعات القديمة: الصينية والهندية والرومانية..إلخ، التوسع في القراءة على مدار الأعوام بهذا المجال جعلني أرسخ في ذهني أن أي عيب أو استنقاص للمرأة تمارسه فئات المجتمع وخصوصا المرأة نفسها، لا علاقة له بأي نص ديني بل له علاقة بقيم وموروث اجتماعي، لذلك لا أحب شعارات نصرة المرأة والدفاع عنها ووصفها بالكائن المظلوم المقهور، وتبرئتها على مختلف الساحات أمام الرجل! فالأزمة أزمة فكر، المهم أن مبدأ (النساء شقائق الرجال) يجب أن يترسخ في العقول خصوصا عند النساء أنفسهن، فهن من وجهة نظري أكبر سبب لنشر الصورة النمطية عن المرأة ومسؤولياتها، فهي من تربي ومن تنشئ المجتمع، سواء بحسن نية وهدف نبيل أو بفهم خاطئ.

الهاشتاق الذي ظهر في تويتر قبل أيام # ربة_ البيت _الوظيفة_ المهمشة، ليس أمرا مهما، ووسائل التواصل كلها وسائل ترفيه ومعرفة، ولكن ما يلفت النظر رأي الدكتورة رقية المحارب في الجزء التالي المقتبس من كلماتها (لكن يظل العجب قائما والسؤال ملحا: ألست تكن لوالدتك قدرا واحتراما، إذ بذلت كل وقتها بينما بذل غيرها جزءا من وقته!).

ما وجه المقارنة بين العاملة وبين ربة البيت والقدر والاحترام، الأم أم، وفضلها لا يقلل ولا يقارن. ماذا نفهم من هذا الحديث، أن القدر والاحترام يجب أن يكونا أكثر لربة البيت وللعاملة أقل؟! لماذا هذه المقارنة بين من تخصص كل الوقت وجزءا من الوقت؟ ولماذا هذه الفرضية أصلا (كأن الأبناء يقللون من شأن أمهاتهم ربات البيوت)؟!

لو صدر هذا الكلام من رجل لكان أقل أهمية، ولكن أن يخرج من امرأة أمر يوجب الرد، فمن يحدد كمية الوقت ونوعه، كل منزل يختلف عن الآخر وليست الفكرة أن هناك أفضلية لجانب دون الآخر، نعم المهمة الأولى والأهم الأسرة والأولاد، ولا مجال للمقايضة بين دور الأم وبين ترك الأولاد في أيد غير أمينة عوضا عن تركهم في الحضانة ومكان آمن.

كل إنسانة حرة، تختار ما يناسب إمكانياتها وقدراتها ورغبتها وأهدافها في الحياة، وليست كل أم ربة بيت ناجحة، فربما تقضي جل وقتها في الرعاية فقط دون التربية، أو حتى تنشغل بالجارات والزيارات..إلخ، وليست كل أم عاملة مدبرة فربما وصلت البيت وهجرت كل تربية، وتركته لغيرها من وسائل التواصل والعاملة المنزلية..إلخ. الحقيقة أن التوازن والوقت النوعي، والتركيز على التربية وليس الرعاية (وشتان بينهما فالأولى لا تفوض والثانية يفوض جزء منها)، أمر لا يحكم عليه من منطلق التعميم.

لا ينظر جميع الأبناء لأمهاتهم ربات البيوت بالتهميش، أمي ربة منزل لها ألف تقدير واحترام، لم تكن مهمشة يوما فقد بذلت عمرها كله ولن أوفيها حقها، واختارت أن تكون ربة منزل مع أنها بذلت جزءا من وقتها لإكمال دراستها الثانوية والجامعية، مع ذلك لم تقصر في حقنا أبدا بل أشرفت على تعليمنا ودفعنا نحو العلم والعمل.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال