زلات الأصابع

الاثنين - 06 مارس 2017

Mon - 06 Mar 2017

عن الأخطاء الكتابية في الصحافة، لا نهاية لتلك الحكايات المثيرة والطريفة، والمأساوية في بعض الأحيان. حيث يصل الأمر ببعض الأخطاء الصحفية «الكتابية» أو «الطباعية»، إلى الفصل من العمل، والإيقاف والمنع من الكتابة، وربما التحقيق والمساءلة القانونية، ودفع الغرامات المالية.

ومما يقال ويردد كثيرا من طرائف هذه الأخطاء أن خبر وفاة شخصية هامة قد وصل إلى جريدة في اللحظات الأخيرة قبل طباعة العدد، فأرسل رئيس التحرير خبر الوفاة (مات فلان أسكنه الله فسيح جناته) وكتب في الهامش إلى جانب العنوان إشارة: (إن كان له مكان)، يقصد إن كان له مكان في عدد الغد من الجريدة، فنزل النعي (مات فلان أسكنه الله فسيح جناته إن كان له مكان).

هذه القصة المتداولة في أوساط الصحفيين، قد وقفت شاهد عيان على قصة مشابهة لها درجة التطابق، وذلك يوم كتب المدير الفني بإحدى الصحف ملاحظة في هامش بروفا صفحة سياسية، يشير فيها إلى خطأ في صور البورتريه المنشورة مع تقرير في الصفحة، وكانت لثلاثة سياسيين لبنانيين يعقدون مؤتمرا لتقريب وجهات النظر.

كتب المدير الفني ملاحظته التالية: مساواة الرؤوس الثلاثة. وهو يقصد مساواة الرؤوس في كادر الصور الشخصية في التقرير، عن طريق التحكم في أبعادها، بحيث تتساوى في الحجم والارتفاع.

لكن المنفذ حين يعمل بلا عقل يتحول إلى كارثة صحفية. كهذا الذي أضاف ملاحظة المدير الفني حرفيا على العنوان الرئيسي للتقرير، فأصبح «الفرقاء يجتمعون من أجل لبنان في مؤتمر مساواة الرؤوس الثلاثة».

لا أتذكر بالضبط ما إذا كانت الصفحة قد طبعت، وذهبت الأعداد إلى السوق بهذا الخطأ أم تم استدراكه في اللحظات الأخيرة، لكن ما أتذكره جيدا أن ذلك الفني ما زال إلى اليوم غائبا عن تلك الجريدة وعن الصحافة برمتها.

قبل أيام كان خطأ إحدى الصحف في تغريدة عبر حسابها الرسمي لافتا للانتباه، من خلال ردود الفعل الواسعة التي أثارها، سواء من الصحيفة أو القارئ، وربما المسؤول.

تقول التغريدة، على طريقة المانشيت الكلاسيكي: المملكة واجهة الإرهاب في كل مكان فكريا وأمنيا. والمراد قوله إن المملكة «واجهت» الإرهاب.

لعل هذه الغلطة، أو الخطأ الكتابي، يرقى ليكون فضيحة أكثر من أي شيء آخر.

حين قرأت التغريدة فور نشرها، وقبل أن يتداولها الجمهور ووسائل الإعلام، قلت في نفسي: كيف للمسؤول الذي كتب الكلام على لسانه – وهو سمو وزير الداخلية – كيف له أن يحسن الظن بالزميل العزيز؟ الذي وجدته يغلق بهذه الزلة كل الطرق المؤدية إلى إحسان الظن بفعلته هذه!

لكنه، ومن جهة ثانية، خطأ يوضح مدى سهولة أن يخوض الإعلام التقليدي ميدان الإعلام الجديد أو الإعلام الرقمي، وفي الوقت نفسه مدى صعوبة الأمر!

إن دخول الصحف الورقية، أو الإعلام التقليدي، إلى ساحة الإعلام الرقمي الجديد، متمثلا في مواقع التواصل الاجتماعي العالمية، ليس يتم فقط عبر تسجيل حسابات في هذه المواقع ونشر أخبار الصحيفة من خلالها، بل بما هو أبعد من ذلك بكثير.

فالإعلام التواصلي المباشر، يختلف حتما في روحه عن إعلام البروفات التي يوقع على إجازتها عشرة أشخاص في الأقل، بدءا من المصحح وانتهاء برئيس التحرير.

أما التغريدة فهي تنشر بقرار فردي، ولا يراجعها أحد سوى المشرف على الحساب، الذي غالبا ما يكون موظفا فنيا بقسم إدارة الموقع أو مركز المعلومات، وليس صحفيا. يحدث هذا رغم أن الخطأ في مواقع التواصل أكثر انتشارا وتداولا وأثرا من تلك التي تحدث على الورق!

ما يعني أنه يجب على الإعلام التقليدي بكل أنواعه أن يتعامل بجدية أكبر مع وسائل الإعلام الجديد، وليس كما هو واقع اليوم.

لقد أثبت هذا الخطأ كغيره من الأخطاء الكثيرة للإعلام التقليدي خلال تجربته الوليدة للتحول الجزئي إلى استعمال أدوات الإعلام الرقمي، أن إمكانية المواكبة اللحظية للأحداث، وسرعة التفاعل والنشر، ليست ميزة يتفوق بها إعلام تويتر مثلا على الصحف الورقية، بقدر ما هي عيب وسلبية تعد من أبرز سلبيات خوض عملية النشر عبر الإعلام التفاعلي.

في حين أن نسبة حدوث الخطأ في التقليدي أقل من غيره، نظرا للمعايير التي يتوخاها لمراعاة توثيق وتدقيق ومراجعة المادة وإجازتها من قبل أكثر من متخصص ومسؤول، خلال دورة العمل اليومي.

ومع ذلك يظل العمل البشري قابلا لحدوث مثل هذه الأخطاء وعلى نحو مستمر.

في عمليات قوات التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن ضد الانقلاب، ظهرت الكثير من الأخطاء الفادحة التي تنم عن جهل وضعف إحساس في التعامل مع صناعة الإعلام.

لقد ذهلت من أخطاء السعوديين التي تتعلق بضعفهم المعرفي ببلادهم، فهناك أخطاء بالجملة ارتكبها ويرتكبها إعلاميون ومذيعون ومراسلون ومحررون، سببها الرئيس الجهل بالمناطق الحدودية، وبتفاصيل خارطة بلادهم.

البعض يكتب وهو لا يعرف الفرق بين ظهران الجنوب وظهران الشرقية، وآخر لا يفقه شيئا في مناطق ومحافظات بلاده ووطنه الكبير وكل الديار التي لم يعش فيها ولم يشعر تجاهها يوما بمجرد الفضول.

فتجده يخطئ في كتابة ونطق أسماء بعض القرى والمحافظات. ويجهل أين تقع بعض المواقع التي يتحدث عنها.

على سبيل المثال لا الحصر، أذكر الخطأ الذي تسبب فيه جهل المحرر الذي يعمل في موقع إحدى الفضائيات الإخبارية الشهيرة، حيث نسخ تقريرا عن عمليات اليمن من جريدة رياضية! يقول عنوانه: الأباتشي تمشط مخابئ الانقلابيين في الخوبة اليمنية.

فهل كان سيحدث هذا الخطأ لو كان المحرر يعرف شيئا عن جيزان؟ وعن سوق الخوبة التاريخي العريق فيها؟ وهل كان سيحدث هذا الخطأ المخجل لو كان المسؤولون في التحرير على علم بشيء من تفاصيل بلادهم بكل أرجائها، منها المناطق الواقعة على الحدود مع اليمن وغير اليمن؟ بالطبع لا. فإذن الجهل بالبلاد يعد من أبرز أسباب الوقوع في مثل هذه الأخطاء الهائلة، فضلا عن الجهل بالأزمة اليمنية، وبالقوى المتصارعة في اليمن، وبطبيعة الصراع، وتركيبته.

ثمة أيضا أخطاء طباعية، أو كتابية تحدث بسبب العجلة، والتصحيف، فتجد بين سطور إحدى المواد المنشورة خطأ من نوع: التحالف يعلن إصراره ودعمه «للشريعة» في اليمن.

هنا المعنى ينقلب تماما في قولنا شريعة بدل شرعية. فالشريعة تعني «أنصار الشريعة وداعش والقاعدة»، أما الشرعية فتعني الاستحقاق السياسي القانوني شعبيا ودوليا.

هذا النوع من الأخطاء قد يمر عن طريق خداعه للعين لحظة قراءته ومراجعته، تماما كما تزل الأصابع في كتابته.

ثم ينشر الخبر في الصحف والمواقع، ويسري كالنار في الهشيم، دون أن يكون لك كمحرر للخبر، أي فرصة لاستدراك شيء أو تعديله.

لكن ماذا عن الابتذال في المجاملات؟ ماذا عنه وهو يصل في الصحافة إلى مرحلة يصبح فيها أقرب إلى الذم والإساءة. بل يكون كذلك حقا.

في هذا السياق، يحكى أن أميرا يعمل نائب وزير، حضر مناسبة يحضرها أيضا معالي الوزير، وكانت الصورة المرفقة مع التغطية للوزير ونائبه، فآثر المحرر في الجريدة خلال كتابته شرح الصورة أن يبدأ بسمو الأمير، فكتب: صاحب السمو نائب الوزير وإلى جواره معالي الوزير خلال المناسبة.

فاتصل الأمير بالجريدة معاتبا ومستنكرا ما حصل من مجاملة رعناء.

ومما لا ينسى في هذا الخصوص، وكنت شهدته خلال عملي في إحدى الصحف، حين أراد المحرر الاقتصادي أن يعجب المسؤول الذي صادف أنه من مؤسسي تلك المؤسسة الصحفية التي نعمل بها، فانتفض المحرر الذي يفكر بعقلية المسوق التجاري، ثم كرّ وفرّ، حتى تمخض عن الجبل فأر، فلقد ارتأى المحرر تضخيم مساحة المشروع الذي سيتم وضع حجر أساسه من قبل المسؤول المستهدف بالمجاملة الفادحة، فبدل أن كانت مكتوبة في العنوان: 1.5 كلم مربع، أراد جعلها بالمتر ليضخم الرقم ويكون بالمليون، لكنه وقع في شر أعماله ونسي كتابة مليون، ونشر الخبر للملأ، بعنوان يشير إلى أن مساحة المشروع «1.5 متر مربع».

أحد الزملاء قال في اجتماع ظهيرة اليوم التالي: حتى الحمام لا يمكن تأسيسه على هذه المساحة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال