صراع القروش

الاثنين - 26 ديسمبر 2016

Mon - 26 Dec 2016

ما هي الدولة التي يقترب عدد المشاهير فيها من نصف عدد السكان؟ هذا اللغز الساخر الذي بدأ به صديقي طرحه متعجبا من تكاثر عدد المشاهير في ساحات مواقع «التفاصل» الاجتماعي إن صحت التسمية.



وتساءلت بدوري عن نوع الهوس الذي يعتري أولئك المتابعين -صانعي شهرة النصف الآخر- وهم يراقبون تصرفاتهم صغيرها وكبيرها، يوثق أحدهم لمتابعيه تفاصيل حياته اليومية -العادية جدا- ابتداء بتناوله لوجبة العشاء وكأنها الحادثة الأولى من نوعها التي تثبت أنه من الكائنات غير ذاتية التغذية، وتصور إحداهن تمارين «السكوات» التي تمارسها يوميا بل «سنابيا» فيتابعها الكثيرون بغرض نشر ثقافة «الرياضة»، ولا عزاء للحاسدين الكسالى أعداء اللياقة واللحمة الوطنية!



دواعي الشهرة باتت مختلفة عن السابق، ومن تطمح أو يطمح إليها لن يحتاج إلى مال أو علم أو منصب كي يصطف مع مشاهير هذا العصر، سن بارز أو برطم ناقة، أحدهما أو كلاهما قد يفي بالغرض!، سيجتمع الكثير ممن لا يعجبهم هذا الشخص ويتابعونه ويعلقون على ما ينشره بكلمات توضح جليا للعين المجردة أنه لا يعجبهم!، لكن ما لا يدركه هذا المتابع أنه هو من يدفع فاتورة الانترنت «اللامحدود» لهذا المشهور الذي يغرد عن أمور لا تمت لحملات مقاطعة شركات الاتصال بصلة، وهو من يهديه قيمة السيارة التي يصور فيها أغلب مقاطعه، وقيمة التذاكر وحجوزات الفنادق في سفرياته كي يتحفهم بالمزيد مما اعتبره متابعوه «حماقات».



قد لا أكون مخطئا إن قلت إن أغلب المتصدرين للمواقع الاجتماعية حاليا يجمعهم هدف واحد هو الحصول على النصيب الأكبر من عوائد الإعلانات التجارية، لذا فإن أحدهم لا يجد بدا من زيادة جرعة الاستظراف، وسبر أغوار السماجة، ورفع سقف الحياء، وخدش الذوق العام حتى تسيل دماؤه، في مقابل زيادة عدد المتابعين ومشاهداتهم، والتي تترجم في آخر الأمر على هيئة أموال تودع في أرصدتهم. فضلا عن أن الذين اشتهروا بالرد على المشاهير و»جلدهم» أو حتى مناصحتهم في العلن، هم أيضا يلعبون دورا هاما في «صراع القروش» ذاته، لكنهم يقدمون آراءهم وفق ما يطلبه المتابعون وتبعا لما يشبع غرائزهم في الإصلاح.



قد تكون عبارة (لا تجعلوا الحمقى مشاهير) هي أكثر عبارة ترددت في العامين الأخيرين وأنشئت لأجلها «الهاشتاقات» التي صلب على جذوعها الكثير من المشاهير، ولو تأملنا تلك الدعاوى لإسقاط الحمقى نجد أن أصحابها لا يناشدون إلا أنفسهم!، فزر «أنفلو» واحد كفيل بأن ينقص عدد الحمقى في هذا العالم واحدا، وإن كان ولا بد من الشعارات الرنانة فلنعد صياغة تلك العبارة لتصبح: لا تجعلوا المتابعين حمقى!