فهد الحازمي

عن فخ التشابه

السبت - 03 ديسمبر 2016

Sat - 03 Dec 2016

في الحلقة الأولى من المسلسل البريطاني «المرآة السوداء» يكتشف رئيس الوزراء أن إحدى أفراد العائلة المالكة اختطفت، واشترط الخاطف لإعادتها أن يمارس رئيس الوزراء فعلا شنيعا أمام الكاميرات في اليوم التالي. تمضي الحلقة – المستفزة - بإيضاح تصاعد مشاهدات الفيديو في يوتيوب والتغريدات الغاضبة في تويتر إلى درجة ينقلب فيها التعاطف العام مع رئيس الوزراء إلى تضامن ضده مطالبينه بالقيام بذلك الأمر. لن أشرح كيف تنتهي الحلقة حتى لا تصيبني الدعوات الحانقة ولكن ما شدني فيها كيف صاغ كتاب المسلسل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والظواهر الجماهيرية التي تعبر عنها كالهاشتاقات والتعليقات ليس على مجرى الحياة السياسية فحسب بل الحياة اليومية. أراد الكتاب أن يعبروا عن الاهتمام الكبير الذي يوليه الناس للشاشات ومتابعة الأحداث «الساخنة» بعيدا عن مجريات الحياة الواقعية، حيث قد تأخذ الأمور منحى قد يكون مختلفا تماما.



تحدثت سابقا عن ظاهرة التوافق في الشبكات الاجتماعية بصفتها إحدى أهم الأمثلة على الطرق التي يمكن أن ينخدع بسببها المرء، حيث يعتقد أنه يعرف ما يدور حوله ويكون له رأيه الخاص ولكنه في الحقيقة لا يعرف إلا ما يدور في دائرته ومحيطه، ويتخذ رأيه على أساس التوافق والتجانس معهم (فالطيور على أشكالها تقع) بعيدا تمام البعد عما يحصل في الدوائر الأخرى التي لا تشبهه، ناهيك عن الحياة الواقعية المليئة بأولئك الذين لا تربطهم بالشبكات الاجتماعية أدنى صلة. هذا التجانس في الشبكات الاجتماعية يشكل بيئة خصبة لانتشار الشائعات وإلباسها لباس الحقيقة إضافة إلى تداول الأخبار المفبركة وما سوى ذلك.



حينما تفكر جيدا فيما يعنيه هذا الأمر ستصل إلى رؤية الأخبار - سواء كانت صحيحة أو مفبركة - بوصفها أدوات وظيفية لتوجيه الرأي العام وتجييشه لرأي أو وجهة محددة. وهكذا ينتهي بنا الحال في جزر من الرأي تبدو شبه معزولة عن الذين يختلفون معنا. للأسف هذا التوجه يتم تعزيزه حتى في نتائج محركات البحث، فنتائج البحث التي تظهر لك في قوقل مثلا تعتمد بشكل كبير على موقعك وتاريخك في التصفح وما إلى ذلك، وكل ذلك يجعلك لا ترى إلا ما يتفق معك. لهذا الأمر نتائج كارثية حيث إن هذا الانعزال الافتراضي عن الآخرين يجعلنا أكثر جهلا واطلاعا بما يحدث، وهذا يزيد المتطرف تطرفا حيث لا يرى حوله إلا عالمه وأفكاره والتفسيرات التي تؤكد تصوراته للأحداث.



فالسؤال الذي يدور في خلدي الآن كيف ننجو من هذا الفخ الخادع حتى لا نكون بيادق بيد هذا أو ذاك من مهندسي الرأي العام؟ برأيي هناك عدد من الأمور مهمة تنطبق سواء داخل العالم الافتراضي أو في الحياة الواقعية: الأول هو الإصغاء للآخرين، خصوصا أولئك الذين تختلف معهم بشكل جذري بغرض استيعاب حججهم. الإصغاء هنا ليس لأجل الإصغاء فحسب أو للتجهيز للرد عليهم - من باب التسليك - بل نية صادقة لأجل فهم كيف ولماذا يفكر الآخرون بهذا الشكل. الأمر الثاني - والأهم من الإصغاء - هو التواصل والمشاركة وهو مرحلة أعمق من مجرد الإصغاء بل يهدف للمشاركة الفعالة وتبادل الخبرات مع الآخر المختلف تماما.



لا شك أن الشبكات الاجتماعية قد لعبت دورا هاما في تطوير جوانب وظيفية عديدة على الصعيد الشخصي والاجتماعي ولكنها أتت كذلك بآثارها غير المباشرة والتي تفرض علينا الحذر منها والتعامل معها بحزم. أحد أخطر الآثار يكمن في تعزيز التشابه بين الأفراد أو المجموعات، والمواجهة الجادة لهذا التحدي تتطلب أكثر بكثير مما قد تتيحه تقنيات وسائل التواصل.



«فخ التشابه»



كيف يمكن أن ننجو من


1 « الإصغاء للآخر خصوصا أولئك الذين لا نتفق معهم»



في الشبكات الاجتماعية؟

2 التواصل والمشاركة الفعالة معهم حول مواضع الخلاف