المضحكة المبكية

الثلاثاء - 29 نوفمبر 2016

Tue - 29 Nov 2016

جرت العادة أن نفتح الواتس اب على مقاطع مضحكة وأحيانا مبكية، فأنت بين هاتين تطيش، ورسائل الفائدة، وإن ندرت، لا يبقى لها أثر.



واستيقظت ذات صباح على رسالة واتس اب تحوي مقطعا امتزج بلون الحزن والضحك والدهشة في آن واحد!



المقطع لشخص تكالبت عليه كاميرات الجوالات، وإذا بمقدم يمهد له سبيلا لما سيلقيه على مسامعنا من شعر، لأن الملقي له اهتمامات بالشعر النبطي ويحفظ بعضا منه، وتركت المقطع يستمر وكأن ثوانيه تجر ذيولها متباطئة، وأنا لا أدري أأعجل أم أجعله يمضي على هون من هول ما أتوقع حدوثه، وصدق ظني، وإذا بالملقي - عفوا الشاعر - الجديد يرتجز شعرا نبطيا لعله يمدح أحدا آخر أسدى له معروفا!



والمعهود على الشعراء هذه الأيام أنهم يقابلون الأجواد وأصحاب الأيادي الطويلة بالثناء و»المديح المقذع»! هكذا أسمي المديح هذه الأيام، لأن بعض المدح ذم لوجهين: لركاكة شعر المادح، وافترائه على الجود ذاته.



ما علينا من الوجه الثاني حتى لا نتهم بالحسد أو أننا نطوي من ورائه أمورا أخرى.



دعونا نرجع للوجه الأول، ولنتفق على كلمة سواء بأن الشعر - وإن قلته ليس جزافا ولا توسعا - ساحة قد دنست، ووطئتها أقدام ليس لها قدم صدق في هذا الباب، بل افتراء وافتآتا سيجزيهم الأدب بما كانوا يفترون ولو بعد حين.



دعونا لا نطيل الحديث، وحتى لا نقع تحت تهمة المفكر العملاق مالك بن نبي رحمه الله عندما قال «إن الذي ينقص العربي ليس الفكرة، ولكن ينقصه منطق العمل والحركة، وهو لا يفكر لكي يعمل، بل ليقول كلاما مجردا». ولعلة أخرى أن الأمر ليس نكرا، ولكن أين النذير؟!



سنرجع لجذوة السبب وأصله، وربما نختلف فيما بيننا في ذلك السبب، ولعلي أستبين سبيل ذلك بعد تأمل طويل أن مرجعه نحن! نعم نحن كمجتمع وليس فردا فردا، فالإنسان المتطاول على الموهبة، أيا كانت الموهبة، بموهبته الزائفة، يلقى التصفيق الحار من لدنا بلا امتعاض من عقلائنا لهذا الجامح!



فعندما يرى طريقا ليس لينا فقط، بل مفروشا بالورود والابتسامات المتهللة لاستقبال تفاهته؛ يزيد من غور هذه الموهبة الكاذبة، ويعمق سطوتها في نفسه، ولا يرى منا إلا مادحا أو صاحب غيرة، ولا يرى الصادق ولا يرى المشفق إلا في مصاف الحسدة والشائنين!



ما الحل لنكون عمليين في مقارعة هذا الخطب؟ أزعم أن الحل بداية هو هجر هذه المجالس التي تعج بهذه الهرطقة، والتواصي على ذلك حين يدعوك أحد لمجاملة ذاك الداعي، بأنك قد سئمت المجاملة، ولديك أمور هي أجدى بالمثابرة، والنكوص عن هذه الأجواء الملبدة بالهتافات البائدة، وأيضا لا نستهين بأن نبعث ما يناهض هذه المدارس التي تعد من قبل أناس لم يجدوا أي مجال للإبداع، ولجر النفع للدين والوطن؛ فراحوا ينتحلون الزائفة ويستفزون الناس بالقبلية وذكر الأمجاد للآباء والأجداد، ونسوا أن من ناهضهم قد جمع الحسنيين، فإرث محفوظ مجيد وعلم ينتفع به، وحنيفية عن طريق الضلال الفكري والاجتماعي.



ومن الحلول فيما أرى، إغلاق منافذ التواصل مع هؤلاء، من خلال وسائل الاتصال كالقروبات والسنابات وغيرها مما ربطت العقل بالعقل والفكر بالفكر.



وأجعل أيضا لكم الخيرة في ذلك يا أحبة، فالقلم نضب وأصبح حبره غورا.. والموضوع طويل.