سحر أبو شاهين

نحن من نحترق .. لا إسرائيل!

الاحد - 27 نوفمبر 2016

Sun - 27 Nov 2016

تعالت الزغاريد، وأشرقت الوجوه، وأطلقت التهاني والتبريكات بـ»الحريق الإلهي» المظفر، وأفرط في «كبس» رموز الواتس اب الضاحكة، وشغلت صور حرائق إسرائيل مساحة ليست قليلة من ذاكرة الهواتف الذكية للشعوب العربية أو من يمتلكها منهم.



التعبير عن الفرح بحرائق إسرائيل يبدو طبيعيا لفظاعة جرائمها ضد الإنسانية منذ نشأتها، وحتى قبل ذلك، ولكنه في حقيقته، حقنة مخدرة لضمائرنا التعبة ومؤشر لما آل إليه حالنا من يأس وهوان، حتى بات اشتعال حرائق - لم تسفر عن إصابة ولا موت شخص واحد - سببا للسرور والسعادة.

نتوهم أن الحرائق ستقوم بما فشلنا فيه منذ وعد بلفور وحتى الآن، «ستبيض» وجوهنا المسودة أمام إخواننا الفلسطينيين، نتخيل في أحلام يقظة جماعية أننا سنستعيد وعينا فنجدها أتت على الأخضر واليابس، وجمع الإسرائيليون «عفشهم» وفروا للنجاة بأنفسهم دون رجعة، وتلاشت إسرائيل وتبخرت فجأة كأنها لم توجد يوما!



ما يجب أن نستفيق عليه فعلا أن إسرائيل تمكنت بنجاح من إجلاء 80 ألف شخص من مدينة حيفا دون أن يصاب أحد بخدش، ونقلت 600 سجين و150 شرطيا دون أن يهرب منهم أحد، أو يستغل متطرف الظرف في تفجير حارس أو اثنين، ووضعت دول عربية وإسلامية إمكانياتها في إطفاء الحرائق تحت يد وتصرف إسرائيل، عليها فقط أن تطلب وتتمنى ليلبي «أصدقاؤها» الأوفياء النداء، والسؤال المطلوب منا الإجابة عنه - نحن الفرحين - كم من ضحية كانت ستقع وكم من المآسي كنا سنشاهد لو اشتعلت ذات الحرائق في مدينة عربية؟



إسرائيل التي نظن أن بضع حرائق كفيلة بالقضاء عليها، بنت خلال سنوات قليلة من وجودها السرطاني بيننا اقتصادا يقوم على المعرفة والتصنيع، وتحتل بحسب نتائج دراسات حديثة لمراكز عالمية مستقلة المركز 21 عالميا في استخدامها لتكنولوجيا المعلومات، والمركز العاشر في جودة التعليم، والـ 11 من حيث سعادة شعبها، والمركز السادس من حيث صحة السكان، والمركز 27 في إعادة تدوير النفايات، في وقت لم تصنف فيه ذات الدراسات أي دولة عربية ضمن الدولة المتقدمة في هذه المجالات.



نحن العرب من نحترق لا إسرائيل، وهي من يضحك ويقهقه منذ سنوات على تشرذمنا وتخلفنا وتناحرنا في حروب قتلت وهجرت ملايين الأبرياء، وفي الوقت الذي كنا فيه نتسلح ليقتل بعضنا بعضا، كانت إسرائيل تزداد قوة وتماسكا ونجاحا في الترويج لمظلوميتها وأحقيتها في احتلال فلسطين عبر وسائل الإعلام العالمية، كذبت وكذبت حتى صدقوها وتعاطفوا معها، ولكن هل معاناتنا سببها فقط خطط إسرائيل الشيطانية؟ أم نحن من قدمنا لها السكين على طبق من ذهب لتنحرنا بها؟ ألا تتحطم سهام العدو أمام الصف المتماسك والدرع المنيع والكلمة الموحدة؟ ألا تستعصي حزمة الأعواد على الكسر؟



الأوان لا يفوت أبدا على استعادة قوتنا، ولا يستطيع أحد منعنا من التطور إذا رغبنا فيه حقا، ووثقنا بأنفسنا وببعضنا بعضا، وتوقفنا عن اجترار أمجاد الماضي دون أدنى جهد لاستعادتها.