ما هو الهدف الذي يسعى له الآباء في جميع أنحاء العالم؟

الأربعاء - 16 نوفمبر 2016

Wed - 16 Nov 2016

ما الذي يتطلب توفره لنكون والدين مثاليين، ونسعى لتربية أطفال خلوقين وناجحين في شتى جوانب حياتهم؟

هل الثناء على الطفل يجعله أكثر عطاء وتعاطفا؟ أم إن شعوره بالذنب والخزي يجعله شخصا أفضل؟

كشفت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أن الآباء من أصول أوروبية وأفريقية وآسيوية يهتمون بتربية أطفال خلوقين أكثر من اهتمامهم بما يحققونه من إنجازات.



وتشير الأبحاث إلى أن الآباء والأمهات يثنون غالبا على جهود أطفالهم أكثر من ثنائهم على قدراتهم، فينمو أطفالهم أقوى من حيث أخلاقيات العمل وأكثر حماسا.

وعلى الرغم من أن بعض الآباء يتنفسون من خلال إنجازات أطفالهم، إلا أن النجاح ليس رقما واحدا في أولوية معظم الآباء والأمهات.

ليست الولايات المتحدة وحدها من تهتم بالأمر، فوفقا لتقرير صحيفة النيويورك تايمز وجد أن هذا الهدف هو الذي يسعى له الآباء في جميع أنحاء العالم.

بدا هذا واضحا حين سئل 50 شخصا من دول مختلفة عن أهم المبادئ في الحياة، فكانت القيمة التي تمثل أهمية كبرى ليست الإنجاز بل العطف.

السؤال المهم هو: هل هناك بعض الأطفال لطفاء وبعضهم الآخر ليسوا كذلك؟

على مدى العقد الماضي درس "Adam Grant " أنه عندما يكمل الطفل عامه الثاني يجرب بعض العواطف الأخلاقية التي تأتي من المشاعر الناجمة عن الصواب والخطأ.



وتشير الأبحاث إلى أن الثناء له فعالية أكبر من المكافآت لتعزيز العطف كسلوك صحي، لأن اتباع نظام المكافآت للأطفال قد يؤدي إلى قيام الطفل بالشيء من أجل أخذ المكافأة فقط، بينما اتباع نظام مدح لفعل الشيء يعطي للطفل الإحساس بأنه جدير بالاهتمام.

لكن أي نوع من الثناء يجب أن نعطيه عندما تظهر علامات مبكرة للعطاء على أطفالنا؟



كثير من الآباء يعتقدون أنه من المهم مدح سلوك الطفل وليس الطفل نفسه، لأنهم يعتقدون بهذه الطريقة أن الطفل يتعلم تكرار السلوك، وذكر "جرانت" أنه يعرف زوجين حريصين على قول "كان هذا الشيء مفيدا القيام به"، بدلا من قولهما "أنت شخص مفيد".

لكن هل هذا هو النهج الصحيح؟ شارك كل من "جوان إي جورسيس" و"إيريكا ريدلر" تجربة ذكية هدفت إلى معرفة ماذا يحدث عندما نشيد بالسلوك المعطاء في مقابل الإشادة بالشخصية المعطاءة نفسها.

اختارا بعض الأطفال بشكل عشوائي، وألقيا عليهم الثناء بطرق مختلفة، كان الأطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و8 سنوات، وقد تم إعطاؤهم شيئا ما وتبرعوا به إلى الفقراء.



بالنسبة لبعض الأطفال تمت الإشادة بالعمل الذي قاموا به:

"كان من الجيد إعطاء ذلك الشيء لهؤلاء الفقراء، نعم كان ذلك شيئا جميلا ومفيدا القيام به".

وبالنسبة لبعضهم الآخر، تمت الإشادة بالشخص نفسه الذي قام بهذا العمل قائلين:

"أعتقد أنك من النوع الذي يحب مساعدة الآخرين كلما استطعت ذلك، نعم أنت شخص لطيف ومفيد للغاية".

وبعد بضعة أسابيع، لوحظ أنه عندما وجد المزيد من الفرص للعطاء والمشاركة مع الغير، كان الأطفال الذين تمت الإشادة بشخصياتهم أكثر سخاء من الذين تمت الإشادة بأفعالهم.



الإشادة "المدح" بالشخصية نفسها تساعدهم على استيعاب ذلك كجزء من هويتهم، وتعلم الأطفال من يكونون من خلال مراقبة تصرفاتهم.

هذا الأمر يتوافق مع الأبحاث الجديدة التي يقودها عالم النفس "كريستوفر بريان"، والذي يرى أنه بالنسبة للأخلاق الجيدة يفضل استخدام الصفات بدلا من الأفعال.



ووجد أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3و6 سنوات يكونون أكثر فاعلية بنسبة 22-29% عندما تتم دعوتهم للمساعدة في مهمة ما محددة بدلا من دعوتهم للمساعدة عموما.

وهذا يشجعهم على أن يكونوا "متعاونين"، ذلك لأنه عندما تصبح أفعالنا انعكاسا لشخصياتنا، فنحن نميل بشكل أكبر تجاه الخيار الأخلاقي والمعطاء، ومع مرور الوقت يمكن أن تصبح جزءا منا.



الثناء على ما يبدو له تأثير خاص في الفترات الحرجة عندما يتطور لدى الأطفال الشعور بالهوية، فعندما أشاد كل من "جوان إي جورسيس"، و"إيريكا ريدلر" بطباع الأطفال ذوي الخمس سنوات، لم يكن للفوائد التي ربما نتجت أي تأثير دائم.

الملاحظة أعلاه ترجع إلى أنهم في سن صغير جدا لاستيعاب الطابع الأخلاقي كجزء من الشعور المستقر للذات، وبمرور الوقت تختفي الاختلافات بين مدح الشخص ومدح الفعل للأطفال الذين في سن العاشرة، ويكون لكل منهما تأثير فعال وإيجابي.



يبدو أن ربط صفة الكرم والعطاء بالشخصية أكثر أهمية في سن الثامنة من العمر؛ حيث تكون بداية بلورة مفاهيم الهوية لدى الأطفال.

إن الثناء كرد فعل على حسن السلوك هو نصف المعركة، ولكن رد فعلنا على السلوك السيئ مهم أيضا، فعندما يتسبب الأطفال بأذى، عادة ما يشعرون بأحد هذه العواطف الأخلاقية: الشعور بالعار "الخزي"، أو الشعور بالذنب.

على الرغم من الاعتقاد الشائع بأن هذه العواطف الأخلاقية قابلة للتغيير، إلا أن البحث الذي يقوده الطبيب النفسي "جون بريس تانجني"، يكشف أن تلك العواطف لها أسباب ونتائج مختلفة جدا.



"الشعور بالعار هو شعور يجعلني أشعر بأني شخص سيئ، في حين أن الشعور بالذنب هو شعور بأني فعلت شيئا سيئا. الشعور بالعار يكون الحكم السلبي على الذات، والذي يجعل الطفل يشعر بأنه بلا قيمة أو فائدة ووضيع، وتكون النتيجة إما أن يهاجم الهدف (قولا أو فعلا) وإما أن يهرب من الموقف تماما".

وأضاف "في المقابل فإن الشعور بالذنب هو الحكم السلبي على التصرف نفسه، والذي يمكن إصلاحه عن طريق حسن السير والسلوك، وعندما يشعر الطفل بالذنب فإنه يميل إلى تجربة الندم والأسف، والتعاطف مع الشخص الذي أساء له ومحاولة إصلاح الأمر".



إذا كنا نريد لأطفالنا أن يهتموا بالآخرين، فنحن بحاجة لنعلمهم أن يشعروا بالذنب بدلا من الشعور بالخزي والعار عندما يسيئون التصرف.

إن الاستجابة الأكثر فعالية للسلوك السيئ هي التعبير عن خيبة الأمل؛ فوفقا لأبحاث حرة وجد أن الآباء عليهم زيادة الاهتمام بأطفالهم بالإعراب عن خيبة الأمل وشرح لماذا كان السلوك خاطئا، وكيف يتأثر الآخرون، وكيف يمكن تصحيح ذلك الوضع الخاطئ.

فهذا يطور من قدرة الأطفال على وضع معايير للحكم على أفعالهم، ويجعلهم قادرين على التعاطف والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، والشعور بالهوية الأخلاقية التي تؤدي إلى أن يصبحوا أشخاصا مفيدين.



التأثير الإيجابي للتعبير عن خيبة الأمل هو أن يرتبط الرفض بالسلوك الخاطئ بالتوقعات العالية واحتمالات التحسن والتطوير من جانب الطفل:

"أنت شخص جيد، حتى لو فعلت شيئا سيئا، وأنا أعلم أنك يمكنك فعل ما هو أفضل من ذلك".

الأطفال يتعلمون الكرم والعطاء ليس من خلال الاستماع إلى ما يقوله قدوة لهم، ولكن من خلال مراقبتهم لما يفعله.

لاختبار ما إذا كان تأثير القدوة الحسنة يدوم، قام العلماء بتجربة نفس اللعبة بعد شهرين، ووجدوا أن أكثر الأطفال عطاء هم أولئك الذين شاهدوا المدرس يعطي بسخاء ولم يستمعوا إلى أي مواعظ.



وبعد شهرين آخرين، هؤلاء الأطفال كانوا أكثر سخاء بنسبة 31% من الأطفال الذين شاهدوا المدرس يعطي بسخاء واستمعوا للموعظة.

إن رسالة هذا البحث واضحة جدا، إذا لم تكن قدوة للعطاء فالموعظة لن تكون فعالة على المدى القصير.

أما إذا تصرفت بسخاء ثم قمت بالوعظ فإن هذا سيكون أقل فائدة على المدى الطويل من عدم الوعظ نهائيا.

يعتقد الناس أن الطباع هي مسببة الأفعال، ولكن لتربية طفل صاحب أخلاق، لا بد أن نتذكر أن الأفعال تشكل الطباع أيضا، وكما قال أحد علماء النفس:

"كيف أعرف من أنا قبل أن أرى ما أفعله؟ وكيف أعرف قيمتي دون أن أعرف طريقي؟".

في النهاية إن الهدف الذي يسعى له الآباء في جميع أنحاء العالم هو تربية أطفال بشكل مثالي، لديهم تعطاف ممتد.

الأكثر قراءة