صنعناه.. فذبحناه

الجمعة - 11 نوفمبر 2016

Fri - 11 Nov 2016

قتل أمه.. مجرم، ضالّ، منحرف، متوحش، ليس في قلبه رحمة، متجرد من الإنسانية، متبرئ منه الدين والعقل وعادات المجتمع، ولا بد أن يفصل رأسه عن جسده، ويصلب في بلده؛ ليكون عظة وعبرة.



هذا المجرم كان يوما صفحة بيضاء في حضن أمه، كان يعشقها، كان يرى أنها أمانه من كل خوف، كان يسرح ويمرح بين يديها وتحت عينيها، كان يحب الحياة، لم يكن في قلبه حقد أو ضغينة على أحد، علمه المعلم كيف يبر بوالديه وأن الرسول الكريم أوصاه بأمه أكثر من أبيه، كان يحلم أن يصبح طبيبا ليعالج أمه عندما تمرض.



كان وكان و.. لكن نحن من ضحكنا على ملابسه الرثة في أول يوم دراسي، ونحن من استهزأ بطريقة كلامه وأفكاره عندما أراد أن يعبر عما في نفسه، ونحن من ألبسه لباس الذل والهوان والمسكنة عندما طلب منا خمسة ريالات ليشتري بها ما يسد رمقه، ونحن من عيره بخطئه البريء الذي لطالما برر لنا أنه كان مظلوما فيه، ونحن من اجتمع عليه وضربه وأهانه عندما أراد أن يدافع عن نفسه يوما، ونحن من جعلناه ينظر إلى بني الإنسان على أنهم ظلمة فجرة كفرة، نحن من كرهه في الحياة وفي المجتمع وفي الأسرة وفي الإنسان، ثم طردناه من مدينتنا الفاضلة، وعزلناه وطويناه على نفسه، ثم استنكرنا عليه ذلك، وأسميناه بالانطوائي وبالانعزالي وبالمريض النفسي، وبدأنا ندعو له بالشفاء دعاء المتبرئ الذي يريد أن يطهر نفسه منه.



نحن الذين جعلنا الشياطين تغتاله ليجرم جرمه الذي لم يكن فعله أصالة عن نفسه بقدر ما هو نيابة عنا نحن مجتمعه الذين صنعناه ونشأناه وكونا شخصيته وحولنا أسنان طفولته إلى أنياب ذئب افترس بها أمه وهو يتخيل أنه يفترس كل إنسان.