عبء الذنب الفكري

بعد مشاهدة الفظائع والآلام التي عانى منها أهلنا في قطاع غزة مؤخراً، لا نستطيع أن نتفادى أن نسأل أنفسنا عن مدى مسؤولية الشعوب المسلمة،

بعد مشاهدة الفظائع والآلام التي عانى منها أهلنا في قطاع غزة مؤخراً، لا نستطيع أن نتفادى أن نسأل أنفسنا عن مدى مسؤولية الشعوب المسلمة،

الاثنين - 18 أغسطس 2014

Mon - 18 Aug 2014



بعد مشاهدة الفظائع والآلام التي عانى منها أهلنا في قطاع غزة مؤخراً، لا نستطيع أن نتفادى أن نسأل أنفسنا عن مدى مسؤولية الشعوب المسلمة، وبشكل خاص مجموعات المفكرين والقادة المسلمين، عن التقاعس الكبير، وربما حتى التواطؤ الفاضح، في مواجهة الهجوم العسكري الإسرائيلي الوحشي الأخير على المواطنين الفلسطينيين في غزة، والذي يمثل فصلاً آخر من الفصول الدموية في التاريخ العالمي يُضاف إلى فصول الجرائم الإسرائيلية المتكررة التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في انتهاك واضح لكل القوانين الدولية وقوانين ومبادئ حقوق الإنسان. هناك لا شك، بعض المثقفين الذين رفعوا أصواتهم هنا وهناك، في وسائل الإعلام والصحف ووسائل الإعلام الاجتماعي، دفاعاً عن الحق الفلسطيني وتنديداً بالجرائم الإسرائيلية. أما بالنسبة للذين وقفوا بصمت ولا مبالاة ولم يفضحوا الجرائم الإسرائيلية، من خلال الوسائل التي يستطيعون الوصول إليها، فيما كانت فصول هذه الكارثة الإنسانية تقع على مدى الأسابيع القليلة الماضية، فإن السؤال الأول الذي يخطر في البال لطرحه على هؤلاء هو: على أي صفحة في التاريخ تجدون مكانكم الطبيعي؟ ردة الفعل على هذه الأحداث، وبشكل جزئي ربما التواطؤ معها أيضاً، من قبل المثقفين والمسؤولين وباقي أفراد الشعب له تأثير كبير وأهمية خاصة. هذا أحد الأسئلة التي لا يستطيع أحد أن يهرب منها سوى أولئك الذين لا يمتلكون أدنى درجات الإحساس بالمسؤولية والإنسانية. هناك عدد من الأسئلة المتفرقة الأخرى التي تتعلق بالمسؤولية الأخلاقية والدينية والوطنية للمفكرين وكيفية تحملهم مسؤولياتهم بشكل عملي في هذا الإطار.

إن المفكرين، سواء كانوا يعملون في مجال الإعلام أو الأبحاث والدراسات أو في الجامعات أو أي مجال فكري آخر، في موقع يسمح لهم بكشف أكاذيب الحكومات وادعاءات السياسيين، ويستطيعون تحليل الأفعال وفقاً لأسبابها ودوافعها وأهدافها الخفية عادة. هذه الميزة تعطي المفكرين دوراً رقابياً حاسماً يجعل الحكومات تحسب له ألف حساب ويجبرها على العمل على تنفيذ وعودها وبرامجها الانتخابية. في العالم الغربي، على الأقل، يملك المفكرون ما يكفي من القوة التي تمنحهم إياها الحريات السياسية التي يتمتعون بها هناك، مثل حرية الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير وغير ذلك من الحريات الأساسية التي يحتاج إليها الإنسان. أما في دول العالم الثالث، حتى في غالبية الأنظمة الديمقراطية، فإن الأساليب القمعية التي تستخدمها الأنظمة لا توفر الشجاعة الكافية والتدريب اللازم للبحث عن الحقيقة التي تعمل كثير من الحكومات على إخفائها وراء ستار كثيف من التشويه والتمويه، بحيث يتم تقديم وقائع أحداث التاريخ المعاصر للشعوب من خلاله بشكل مغاير لحقيقة ما يجري من أحداث. ومع ذلك، مهما بلغ مستوى القمع وكبت الحريات، تبقى مسؤولية المفكرين أعمق من مسؤولية عامة الشعب بسبب مجموعة المزايا التي يتمتع بها المفكرون.

ليس من الغريب أن تلجأ إسرائيل إلى نشر الأكاذيب وتضليل الرأي العام العالمي لإخفاء ممارساتها الإجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني الذين يناضلون من أجل قضاياهم العادلة، لكن من المثير للاهتمام أن هذه الممارسات والأكاذيب الإسرائيلية لم تلق الاهتمام الكافي والرد الملائم من القادة والمفكرين المسلمين والعرب. ماذا عن سلسلة الأكاذيب الكثيرة حتى من جانب الأمم المتحدة بخصوص أمور تتعلق بالمفاوضات مع حركة حماس؟ الحقائق معروفة لكل من يريد أن يعرف، لكنّ هناك تواطؤاً دولياً لإظهار وجهة النظر الإسرائيلية فقط والتعتيم على وجهة النظر الفلسطينية. كثير من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية قدمت وثائق تدحض كل كذبة من الأكاذيب الإسرائيلية والصهيونية لدى ظهورها. لكن قوة جهاز الدعاية في الغرب كبيرة لدرجة أن أي شخص لا يقوم بدراسة حول الموضوع لا يستطيع حتى أن يأمل في مواجهة الادعاءات الإسرائيلية بتقديم الحقائق. إذا كان من يعتقدون أنهم خبراء في شؤون القضية الفلسطينية يمتلكون معلومات تبرر ما تفعله الحكومة الإسرائيلية فإنهم فشلوا في إيصال هذه المعلومات إلى العالم لأن الرأي العام العالمي بدأ يلاحظ مدى الظلم الواقع على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. إن أي شخص لديه حتى بعض المعرفة والاطلاع على مبادئ حقوق الإنسان والعلوم الاجتماعية يعرف أن الادعاءات الإسرائيلية بوجود أمور ومبادئ لا يستطيع الناس خارج إسرائيل فهمها هي ادعاءات كاذبة لا تستحق الرد عليها. وفي جميع الأحوال فإن على المفكرين المسلمين والعرب أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية وأن يعملوا على فضح الأكاذيب التي تنشرها وسائل التضليل الإعلامي الصهيونية بكل الطرق الممكنة.