النقد.. اللذة واللذعة

(الحكومة تضبط وتزين الشوارع اللي تمشي فيها الوفود، مثل الأم السعودية اللي ما تطلع مواعينها الجديدة إلا للضيوف وعيالها المساكين يشربون الحليب في كأس الجبن)

(الحكومة تضبط وتزين الشوارع اللي تمشي فيها الوفود، مثل الأم السعودية اللي ما تطلع مواعينها الجديدة إلا للضيوف وعيالها المساكين يشربون الحليب في كأس الجبن)

الاثنين - 18 أغسطس 2014

Mon - 18 Aug 2014



(الحكومة تضبط وتزين الشوارع اللي تمشي فيها الوفود، مثل الأم السعودية اللي ما تطلع مواعينها الجديدة إلا للضيوف وعيالها المساكين يشربون الحليب في كأس الجبن).

رسالة بلاك بيري.

هناك أنفة من كل ما هو تقليدي، هناك حالة اعتراض عارمة لدى الجيل الجديد لكل ما ينتمي إلى القديم، رغبة طامحة للتغيير ربما تجرف الهياكل المؤسسية البالية وكل ما ينتمي إلى حقبتها الزمنية من ثقافة واجتماع وتفكير.

نقد لاذع لأبسط الأشياء يأخذ في التطور شيئاً فشيئاً في ظل الإمكانات التي يمنحها الإعلام الجديد للشباب، تحولت شبكات التواصل الجادة إلى مسرح درامي يموج بمشاهد النقد الملحمية، أحياناً إلى مسلخ للفاسدين وأصحاب المشالح الفضفاضة، يشبه استجوابات البرلمانات النزيهة تحت مرأى الشعب ومشهد الأمة.

النقد ليس عملاً اعتباطياً، والمجتمعات التي تؤمن بضرورة النقد ثم تتجاوز هذا الإيمان السطحي إلى ممارسته واقعاً فهي على قدر كبير من الشجاعة، لا تعاني حالة انحباس تاريخي ولا ضعفاً في الثقة تجاه مسبّقاتها الماضوية، مجتمعات النقد لديها إصرار على التقدم، والتقدم نفسه لا يتأتى بغير الاعتراف بالأخطاء والاستعداد لمواجهتها والأمل في بناء المقومات السليمة، وهذه خلاصة النقد.

السخرية ناصية النقد، والنقد اللاذع غاية ما يبلغ الامتعاض من سلوك أو تقليد ما، ولكن عندما يتوقف النقد على مجرد السخرية وجلد الذات فإنه لا يقدم مشروعاً ولا يتقدم بالأمة، يشبه الطائر الطري الذي يبدأ في تحريك جناحيه دون القدرة على الطيران الفعلي، يحتاج إلى مزيد من الوقت والشجاعة لعمل ذلك.

لا أعرف لماذا ارتبط تويتر والطير الذي يرمز إليه بمعنى الحرية، لعل ذلك أكثر ما كان يلح في مجتمعاتنا، قدراً من الحرية والانفتاح للتحرك نحو الفضاء، للانطلاق إلى مأمولات هذه الشعوب ورغباتها المستحقة، لقد احتبست شعوبنا كثيراً دون مطالبها وأحلامها التي بقيت حبيسة الشعارات، اليوم وبفعل الشباب الذي اقتحم الإعلام الجديد بدأت تتنفس الصعداء وتشرئب إلى مستقبل تتدخل في صناعته وتشكيل ملامحه ونحت قسماته.

النقد إذا تحول إلى هدف بحد ذاته، تموت فاعليته إثر الألفة والاستمراء، النقد الجيد هو الذي يجد قنوات لتفعيله وتحويله إلى مشاريع متحققة، النقد الجيد هو الذي ينهض لتصحيح الأوضاع ويجد آذاناً مصغية ومتنفذة لديها الرغبة الجادة والصادقة للتغيير، إذا أصبح النقد مجرد فرقعات وأداة استهلاك محلي فهو يراكم الأخطاء ويوسع الخرق على الراقع المتأخر دائماً.

لم يعد هناك أحد فوق طائلة النقد، سوى ما تواطأت الشعوب والمجتمعات على احترامه وتقديره من مسلمات الدين ومرتكزات الوطن ومقتضى مصالح الأمة، واللافت في هذه الثوابت اختلاف الناس في تعريفها وضبط حدودها وهذا ملمح من الحرية الجديدة نحتاج أمامها إلى إدراك معاني الاحترام المتبادل وضمان حق الاختلاف وتباين الآراء وهذا من متلازمات الحرية التي تمطر تسامحاً فتنبت التنمية.

الحقيقة أن الإعلام الجديد وكبيره (تويتر) الذي علمه الجرأة بدأ بتسريب قيمه الحرة وبث ملامح العالم الحديث، ومجتمعاتنا الشابة استجابت لهذه اللغة الجديدة.

تحولت شبكات التواصل الجادة إلى أكاديميات لتعلم فنون النقد والاجتراء على انتزاع الحقوق من غاصبيها، إلى محاكم عدل للتشنيع بالمظاهر السلبية والمتسببين فيها.

لا يتوقف الأمر على حفريات الطرق وإهمال مشاريع تصريف المجاري والسيول، بل أبعد من ذلك، مثل ردم مستنقعات العقول التي تتسبب في انتشار فيروسات التردد وحشرات التخوف السامة التي تعطل إحساس المواطن بدوره تجاه الإنسان والأرض التي ينتمي إليها.