وحيد الغامدي

من أجل حراك ثقافي ناضج!

الاثنين - 07 نوفمبر 2016

Mon - 07 Nov 2016

الثقافة هي الوعاء الذهني للمجتمع، وحتى في المجتمعات البدائية لم تكن الفنون - والتي هي صيغة من صيغ تشكلات الثقافة - ترفا، بل حاجة وجدانية ملحة للتعبير وإعلان تحدي الحياة.



درج المفهوم الشرقي لكلمة (ثقافة) على أنها تعني حالة الاكتساب المعرفي، وهذا خطأ ينبغي أن يصحح، فالثقافة – فيما أتصور – ليست لها علاقة قوية بالمعرفة بقدر علاقتها بـ(الإدراك) تحديدا، فالبروفيسور الأكاديمي مثلا لا تكفي درجته العلمية ليكون (مثقفا) في الحياة، بل يجب أن يكون ذا إدراك لتفاصيل الواقع ومشكلاته والأخطار المحيطة بالمستقبل، ولديه أدوات الوعي اللازم للقياس المنطقي السليم، وإلا فسيكون شأنه شأن عامة الناس باستثناء أن لديه خبرة معرفية تشبه خبرة صاحب أي صنعة يدوية يعي صنعته جيدا لكنه غير مدرك لما يحيط به!



الثقافة هي هم رسالي يتوجه إلى المعاني (الحضارية والإنسانية والحقوقية) ويتبنى قيمها العليا ويناضل من أجلها، فإذا انحرف المسار الثقافي عن تلك المعاني حصل الانحراف كذلك في مستقبل ذلك المجتمع وأجياله التي ستنشأ على حالة الفراغ في تلك المعاني الضرورية، مما يسهل افتراس تلك الأجيال أيديولوجيا من قبل مختلف التيارات والقوى ذات الأوبئة الفكرية، بمختلف انتماءاتها.



الثقافة ينبغي لها مناقدة الواقع دائما ومناكفة سلبياته؛ من أجل ديمومة حالة التصحيح الفكري والسلوكي لأي مجتمع تستهدفه الجهود التثقيفية؛ وذلك من شأنه أن يؤسس لمستقبل أفضل مع تعاقب الأجيال، وإلا فسيكون العقل الثقافي خائنا لدوره الحقيقي إذا ما تصالح مع السائد والنمطي دون تقديم تلك الرسالة الإنسانية والحضارية والحقوقية التي هي جوهر المعنى الثقافي الأعمق.



من هنا تصبح الثقافة هما رساليا جادا وليس مجرد أحاديث (مقهى) على هامش المشهد اليومي. بل وحتى تلك التجاذبات وذلك الجدل اليومي في ذات القضايا أعتقد أنهما ضروريان جدا من أجل خلق وعي أكبر يسببه تلاقي الرأي والرأي الآخر، شريطة أن يكون ذلك في سياق الحوار الصحي المفترض لأي مجتمع، لا أن يتحول كل ذلك إلى صراع ديكة يساهم في المزيد من الانقسام الاجتماعي حول قضايا أكثر ما يمكن أن توصف به هو أنها (خلافية) يسوغ فيها الاختلاف في مجتمع متنوع لا يمكن أن ينصهر في رأي واحد.



الثقافة تحمل الشرط الإنساني العميق، ومتى ما كان المنتج الثقافي مائلا عن ذلك الشرط فهو لا ينتمي للثقافة بل يعاديها، كما أن الثقافة لا تكتفي بالأداة التقليدية لمعنى الثقافة وهي القلم أو الكتاب بل تشمل النغمة الجميلة والمسرح الناضج والفن الهادف بكل صوره وأشكاله.



أخيرا.. ينبغي للمؤسسات الثقافية أو الجهات التي تدير الشأن الثقافي أن تعي حقيقة واحدة وهي أن وعي الجمهور الثقافي أو المهتمين بالثقافة قد تجاوز تلك الآلية الرسمية التي تدار بها شؤون الثقافة، ومن أجل ردم الفجوة الحاصلة في هذا المجال يجب أن تتطور تلك الآلية وتتجاوز تقليديتها الدارجة في تقييم المشهد، فمثلا: قضية منع بعض الكتب، يعلم الجميع أنها لم تعد سوى إجراء روتيني فقط في ظل يقين الجميع بأن الفضاء يحوي ما هو أصعب من أن تمنع قراءته، فغير منطقي أن تستمر ذات المعايير في تحديد ما يمنع أو ما يسمح، وأعتقد أن تلك المعايير نفسها ينبغي أن ترتفع بارتفاع سقف الطموح القرائي الملاحظ للجماهير الذين تزدحم بهم مداخل معارض الكتب في المملكة في مشهد لا يعكس سوى التعطش لاغتنام الفرصة المحدودة طوال العام للحصول على كتاب يحترم العقل والوعي والتطلعات.



[email protected]