ثقافة الحوار بين الشعارات والممارسات

حينما كتبت تغريدات في حسابي بتويتر عن ثقافة الحوار وأنها مغيبة، وردتني بعض المراسلات واطلعت على بعض التعليقات، وكان الأبرز فيها عدم إدراك بعضها للواقع الحواري في ثقافتنا المحلية، إضافة لغياب النموذج المطلوب تحقيقه، سواء كان القصد منه الممانعة بإنكار الواقع، أو تغييب النموذج المفترض عن الثقافة الواقعية

حينما كتبت تغريدات في حسابي بتويتر عن ثقافة الحوار وأنها مغيبة، وردتني بعض المراسلات واطلعت على بعض التعليقات، وكان الأبرز فيها عدم إدراك بعضها للواقع الحواري في ثقافتنا المحلية، إضافة لغياب النموذج المطلوب تحقيقه، سواء كان القصد منه الممانعة بإنكار الواقع، أو تغييب النموذج المفترض عن الثقافة الواقعية

السبت - 25 يناير 2014

Sat - 25 Jan 2014



حينما كتبت تغريدات في حسابي بتويتر عن ثقافة الحوار وأنها مغيبة، وردتني بعض المراسلات واطلعت على بعض التعليقات، وكان الأبرز فيها عدم إدراك بعضها للواقع الحواري في ثقافتنا المحلية، إضافة لغياب النموذج المطلوب تحقيقه، سواء كان القصد منه الممانعة بإنكار الواقع، أو تغييب النموذج المفترض عن الثقافة الواقعية

فيكفينا استدلالاً على ما نقوله أن نقارن واقعنا ونعرضه على المنهج النبوي في الحوار، حتى ندرك بُعد الكثير منا عن السنة النبوية في ذلك، إضافة للمعارف الإنسانية والنتائج العملية لتلك الممارسات الحوارية غير الرشيدة، ولا بد من التسليم بأن هذه الثقافة الإيجابية غائبة في واقعنا، ولكنها ليست مالكة لإرادتها، فنحن من غيبها، وليس تغييبنا لها بجهل فيها عند الأكثر، وإنما هو تجاهل لها في الغالب، لأن من يتحاورون يفترض بهم كونهم من المثقفين، وبالتالي يستبعد جهلهم بهذه المسألة، وإلا فسيكونون غير مؤهلين للحوار أصلاً، وهذا ما لا يسوغ الجزم به في الجملة، ومع أننا في زمن توفرت فيه مصادر المعلومات، وندرك فيه نتائج التصرفات، إلا أننا مع جميع ذلك وعبر وسائل التقنية ما زلنا نُغيب هذه الثقافة عن واقعنا، والأسوأ منه المكابرة عبر تعمد السير في هذا المنهج، مما يعني عدم صفاء المنطلق، وبالتالي حتمية عتمة النهاية

إن تجدد القضايا المثيرة للحوار تعد ظاهرة صحية، ولكن الحالة المرضية في طريقة التعاطي معها، على جميع المراتب والأصعدة، سواء كان الحوار في داخل الأسرة، أو العمل، أو في المسائل الفكرية والفقهية، وإذا كان التعاطي مع الآخر بهذا الهياج والتشنج فسيكون مع غيره من داخل أهل القبلة وكذلك من خارجهم من باب أولى، لأن صاحب الحق الواثق به لا يحتاج لرفع الصوت وانتفاخ الأوداج وكيل الصراخ، وإنما الهدوء والسكينة والثقة بالنفس وما تحمله من أدلة دامغة

لو رجعنا لقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلمنا أن المبدأ الأساس للحوارات النبوية يرتكز على احترام حقوق الفرد وحريته، وضمن حدود الضوابط الشرعية، بما يكفل السعادة في الدارين للجميع، ومراعاة حرية الفرد في الاختيار والمراجعة، مع محاولة إقناع الآخر ولو كان ملزماً، والترغيب في طاعة الله مع تيسيرها لا تعسيرها على المخلوقات، فيراعي حال المحاوَر، وطبيعة الموضوع، وموقف الآخر منه، مع الأسلوب المناسب

إن الله جل وعلا قد أرسل نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام مبشراً لا منفراً (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وأمره بالحكمة والموعظة الحسنة وبما هو أحسن (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، فالهدف العام للمحاورات النبوية تبليغ الرسالة مع الحرص على نجاة الآخر وليس العكس، ولذا لا يَفرح بالخطأ إلا من في قلبه مرض وهواه هو القائد، لأن السنة في القلق والتألم عند عدم تحقق الاستجابة، وبالتالي كل ما ساعد على تحقيقها فهو المطلوب، وكل ما تسبب في عدمها فهو المطرود (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)

الحوار النبوي يقوم على حسن القول والخطاب، واتباع أسلوب الحكمة في الجدال بالتي هي أحسن، وتجنب الخصام واللجج، والهدوء والبعد عن التشنجات والكبر والتعالي، مع التدرج في الحوار والبدء بالقضايا الكبرى، والاعتماد على الأدلة، والمزاوجة بين أسلوبي الترغيب والترهيب، واستخدام الجانب الوجداني، مع الإعداد الكامل للحوار بما يتطلبه، وحسن الاستهلال في فتح باب الحوار، والثقة بالنفس، واليقين بمصداقية القضية، مع الانطلاق من الأمور المشتركة، والإقرار بالخطأ والاعتراف به، واللين والرفق، ولذا فيجب علينا أن نعود لقراءة السيرة والأحاديث النبوية، ونقابلها بواقع حواراتنا اليوم، لنكتشف مستوى الافتراق بينهما، والرجوع للحق فضيلة