هكذا علمنا رمضان

من قبل أشهر ونحن نتمتم بذكر رمضان، كنا نعد الأيام والدقائق، نترقب يوميا دخول الشهر لنبدأ رحلة جديدة، رحلة مع شهر رمضان

من قبل أشهر ونحن نتمتم بذكر رمضان، كنا نعد الأيام والدقائق، نترقب يوميا دخول الشهر لنبدأ رحلة جديدة، رحلة مع شهر رمضان

الخميس - 31 يوليو 2014

Thu - 31 Jul 2014



من قبل أشهر ونحن نتمتم بذكر رمضان، كنا نعد الأيام والدقائق، نترقب يوميا دخول الشهر لنبدأ رحلة جديدة، رحلة مع شهر رمضان.

فجاء رمضان الخير والنور، رمضان العطر والطهر، رمضان الصلاة والذكر.

جاء فغردت المآذن بأعذب الألحان، وشدت البلابل (أئمة التراويح) بأجمل الأصوات، ولئن كنا نعيش في كل الشهور للحياة، فإننا عشنا الحياة في رمضان، ولئن كانت كل الشهور للجسد فشهر رمضان كان وسيظل للروح.

رمضان الذي ينظر من كوته يرى ظلالا وأفنانا وربى وجنانا.

رمضان؛ رأيناه في حلقات الذكر، وفي صفوف المصلين، في شال الطفلة وهي تلفه على رأسها ويصل إلى رجلها، في كوب القهوة وبين أطباق الفطور، في جموع المصلين وبين غمغمات العابرين، رمضان المدفع وصوت الأطفال من بعيد وهم يقولون أذذذذذذذن ويطيرون إلى السفرة كما الحمائم تطير إلى أعشاشها.

رمضان الذي ضاع بعبق الحب، وفاض بريحان الود، سرعان ما انقضى، لا نجده حتى نفقده، ولا يكاد يبدأ حتى ينتهي.

رمضان شهر الحب، شهر تنضوي فيه كل أسرار الحياة، وكم علمنا هذا الشهر من أسرار وأسرار، شهر علمنا الحب، علمنا الود، علمنا كيف نغسل قلوبنا بماء زمزم، ونجمل أفواهنا بحلاوة التمر، وما زال هذا الشهر يعلمنا الكثير.

كان يضيع الصلوات ولا يلتزم بها وخاصة الفجر، كان يرى أنها ثقيلة كالجبال، وأن لذة نومه ليست إلا في تلك الدقائق فقط، يأتي رمضان ليتغير هذا الإنسان، يتبدد هذا الوهم، يتحول هذا الفتور إلى نشاط، فتراه في الصف الأول كل يوم!

إنها مدرسة الصيام وهكذا رمضان يعلمنا.

كانت علبة السجائر لا تفارق جيبه، يهرب من مشكلات الحياة وضغط الواقع إلى نفثة مسمومة يدخلها في جوفه ويلوث بها جمال الحياة، يأتي رمضان فيتغير كل شيء يمسك عن التدخين أربع عشرة ساعة، والكثير منهم شد عزيمته فترك الدخان، هكذا رمضان يعلمنا.

كان يجد الوقت لأصحابه، وتصفح مواقع التواصل، والجلوس مع أقرانه، ومتابعة المباريات، إلا أنه يتعذر بضيقه عند قراءة القرآن! كان لا يعرف طريق المصحف طيلة العام، ويأتي رمضان فيهتدي إليه.. يكتشف أسراره.. ويلتذ بمعانيه.. يلتزم بقراءته كل يوم.. ويتزود منه في كل حين.. وهكذا رمضان يعلمنا.

كان يتمايل يمينا وشمالا بها .. لا يستطيع أن ينام دون أن يسد أذنيه بالسماعات ويستمع إلى فنانه المفضل، لا تفوته أية أغنية جديدة، وينتظر بفارغ الصبر آخر ألبوم.. ولكن ما إن أتى رمضان حتى بدأ يتعرف على القرآن، ووجد فيه ما أبعده عن الغناء وأهله.. كان أعلم الناس بالأغاني وصار أجهل الناس بها وأبعد الناس عنها.. إنه رمضان يعلمنا.

يجلس لينهش لحوم إخوانه، لا يكاد يسلم منه أحد، وحتى أصدقاؤه يتهربون منه فقد عرف بالطعن في الظهر، لا يجلس مجلسا ويقوم منه إلا وقد نال من الكثير، ولكن جاء رمضان فغيره! أمسك لسانه وحفظ إخوانه، كلما هم بالغيبة تذكر (ربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع) ولا يزال رمضان يعلمنا.

كان ضعيف الإنتاجية، يرى نفسه صفرا على الشمال دائما! في رمضان صام ثلاثين يوما.. صلى كل الصلوات.. ما تخلف عن التراويح.. تصدق.. إنجازات يصفق لها الكون.. ويهتف لها المجد.. وهكذا يعلمنا رمضان.

ويرحل رمضان.. رمضان الذي يعبق بريّا الأزاهير، رمضان الذي يتوب فيه كل عاص، وتسطع فيه أنوار كل القلوب، وتمتلئ الصدور محبة ورضا.

يرحل رمضان ولكن يبقى ذلك الرصيد الذي اكتسبناه منه يمدنا بالقوة كلما فترنا أو ضعفنا أو حاول الشيطان أن يقطع علينا الطريق.

يرحل رمضان وقد تعلمنا منه الكثير، وكم نحن بحاجة إلى أن نستمر مع كل الدروس التي تعلمناها.