منى عبدالفتاح

فن ترويج الوهم

الأربعاء - 02 نوفمبر 2016

Wed - 02 Nov 2016

تتزاحم سيرة شخصيات عامة كثيرة على الإعلام العربي بوسائله المختلفة، لدرجة تضطرك إلى التشدد في السؤال عن دورها الحقيقي في الشأن العام. فهنا مسؤول يتحدث باسم الشعب وهناك شخصية عامة تشتكي من ظلم ذوي القربى. أسئلة كثيرة تحتاج الإجابة عليها إلى تأويل يمكّن المتابع من رؤية الأشياء كما هي، لا كما يريد كثير من أصحاب الأسماء اللامعة الذين لا نعرف أدوارهم الحقيقية، ولو كنا ندري تماما أنهم يؤدون أدوارا تمثيلية تم العهد إليهم بها حتى تكتمل الصورة والتشكيلة المعينة.



وهذا النموذج موجود في كل زمان ومكان، ولكن الكاتب المصري وحيد الطويلة أعطاهم تشبيها محليا شعبيا هو فرقة حسب الله الشهيرة. وليوضح لماذا أسبغ عليهم هذا التشبيه كتب أنّ فرقة حسب الله هي القاسم المشترك في الأفراح الشعبية وهو ما تكشفه الأفلام المصرية القديمة. وكانت قيمة أهل العريس تُقاس بعدد أعضاء الفرقة، وكلما كثر العدد كان ذلك مدعاة للفخر والنسب والحسب، ولما كان العازفون الحقيقيون في الفرقة لا يتجاوزون أصابع اليدين، في أفضل الأحوال، فإنّ المتعهد كان يلجأ إلى حيلة بارعة، إذ كان يذهب إلى المقاهي لينتقي منها العاطلين عن العمل، يقدم لهم الملابس المعدة لأعضاء الفرقة وكذلك يقدم لهم الآلات الموسيقية، ويدخلون في الفرقة ويقومون بتمثيل أدوارهم، يمسكون على الأغلب بآلات النفخ والطبل ويرتدون ملابس ملونة مقاساتها غير مناسبة لأجسامهم، لا يعزفون شيئا ولا يقدمون نغمة لكن دورهم أصبح أساسيا ومعترفا به، لكن الناس كانوا يعرفونهم، ويقولون فلان لابس مزيكا، ليس موسيقيا، لكنه فقط يرتدي ملابسها. ترى على كم من شخصياتنا العامة ينطبق هذا التشبيه ممن لا يقومون بأدوار حقيقية وإنما فقط لابسين مزيكا.



هذا النوع من الترويج لهذه الشخصيات يتم بخداع بصري وسمعي، لكن الأدهى أنّ هناك ترويجا يتجاوز مرحلة الحواس إلى ما في ظهر الغيب الذي لا يعلمه غير الله. كنت أؤمن إيمانا منقطع النظير بأنّه لا أحد يستطيع التفوق على جهابذة الاستثمار الغيبي وفق الوهم العربي الذين يسمحون لفئاتهم بالاستثمار في كل شيء لمصلحتهم الخاصة، حتى ولو كان ذاك النوع من الاستثمار على شاكلة بيع الهواء في قوارير.



فعقيدة تنظيم داعش ومن قبله تنظيم القاعدة تُعنى بهذا النوع من الاستثمار تجاوز الاستثمار الدنيوي إلى الاستثمار الأخروي الذي تمثّل في الزج بالشباب في أتون حروبها التدميرية والخراب الذي يلحقونه بكل بقعة يحلّون بها بتحريك جيوشهم ومجنديهم الظلاميين لتنفيذها. دفع أولئك حياتهم بمقابل معلوم تم تحديده لهم مقدمّا وذلك بالظفر بالحور العين، ولم يكن قادة هذه التنظيمات مؤمنون فعلا بما يبثونه في عقول المراهقين، فلم نسمع بأحدهم سبقهم لنيل ما وعدهم به.



وكنت أعتقد كذلك أنّ تلك استثمارات تنظيمية صرفة، حتى قرأتُ قبل فترة عن أمريكي تفوق بعبقريته الفذة على كل مستثمر. وكان أري مانديل الذي يبلغ من العمر 31 عاما وقتها، من مدينة نيوجرسي الأمريكية ويدين باليهودية قام بعرض مكانه في الجنة للبيع في مزاد على موقع ي باي على الانترنت. ولكن الموقع الالكتروني قام بإزالة المزاد الذي انطلق بـ99 سنتا ووصل إلى مبلغ 100 ألف دولار.



كان عذر الموقع مهذبا حيث قام بإبلاغ مانديل بأنّ الأغراض غير الملموسة لا يمكن عرضها للبيع. وذكر أري مانديل أنّه وصل إلى حالة ضمان ما يودّ بيعه باجتهاد كان يجب على الموقع تقديره. فقد عمل على الابتعاد عن الخطايا عبر القيام بأعمال جيدة، وذكر أنّه يعمل على اتباع نظام غذائي نباتي. ولم يفقد أري الأمل، فقد وعد بأنه سيستمر في اتباع حياة جيدة لضمان بقاء مكانه في الجنة متوفرا لمن يشتريه منه لاحقا!



[email protected]