العصف المأكول

الاثنين - 31 أكتوبر 2016

Mon - 31 Oct 2016

لا أشك في أن الكعبة ستدمر في آخر الزمان، وستفكك حجرا حجرا على يد حبشي مشوه كسيح، ولكن هذا سيكون في زمن لا يذكر فيه اسم الله، فعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة. رواه البخاري (1591، 1596)، ومسلم (2909) ، حينها لن تكون لبيت الله المعظم حرمة في نفوس البشر، وذلك في زمن لن ندركه ولن نعاصره، والله العليم الخبير، إلا أن استهداف بيت الله الحرام بالقصف الصاروخي الباليستي على يد الحوثيين المستأجرين من قبل مجوس الفرس، يعد مقدمة كشف للفئات البشرية التي ستسعى في خراب مكة بالتهيئة النفسية والتحضير التدريجي وفق سنة الله تعالى وتقديره، وهذا أمر يتعلق بعتبة الإثارة الحسية المشاعرية تجاه اعتقاد راسخ في نفوس المسلمين، إلا أن الغثائية لن تحول دون تحرك المسلمين ولن تسمح لأعداء الإسلام بالمساس بالكعبة المشرفة.



يعد بيت الله الحرام رمزا ذا قيمة عليا لدى كافة طوائف المسلمين وألوانهم وأعراقهم في الأرض، والاعتداء على بيت الله الحرام سيحرك مشاعر المسلمين في كافة القارات، ومع ذلك فإن للبيت الحرام ربا يحميه، فآيات الله المعجزة باقية حتى قيام الساعة، وليست قاصرة على سياق النبوات والرسالات، فلا يزال الزمان يخفي المزيد من العجائب، والله القاهر فوق عباده.



وإن من إعجاز الجبار وحكيم سطوته وقوته، نزول العقاب بما لا يتوقع ولا يدرك، وهذا من أعظم العقوبات التي تزيد من غي الغاوي وتركسه، حتى يستحكم الطوق حول عنقه، وواقع الحال أنه لا خوف على بيت الله الحرام في الوقت الحاضر، فالإسلام متجذر في نفوس الفرسان الأشاوس من حماة بيت الله العتيق وخدمه، وهم قادرون بفضل الله تعالى على صد أي هجوم وثني أو شركي أو تخريبي، ولهم سند من مليار ونصف المليار مسلم يتوجهون خمس مرات بوجوههم نحو مكة، ولن يسمحوا بالعبث بكعبتهم ما بقيت فيهم بقية إيمان وتوحيد لله تعالى، وهذا لن يخدم أعداء الإسلام بكافة صورهم.



هناك فوارق اعتقادية ما بين المسلم الموحد وغيره من عبدة الشياطين والملاحدة وبقية الكفرة والمشركين، أهمها أن المؤمن يعشق الموت في سبيل الله كما يعشق بقية أولئك الحياة، وهذا فارق كاف لإحداث الفرق، ولذلك لا حاجة للقلق من تحرشات هنا أو هناك، فخدام الحرمين يزدادون قوة اليوم بفضل الله تعالى، لأسباب يطول شرحها.



إلا أن فئات الناس في حدث جلل كهذا، يتمايزون إلى تصنيفات فارزة تحددهم وأدوارهم فيه:



1 فئة مسرورة وداعمة لهذا الحدث، فهي صامتة عن هذه الجريمة من باب الدعم السلبي، أي تخفيف الضجيج حيال الأمر، وهذا لإضعاف وطأة التأثير، وهم شركاء بالتجاهل والتجهيل وخاصة من قبل الإعلاميين أو المثقفين أو الساسة، ومنهم يتفرع الطابور الخامس والخلايا النائمة، وسيكفيكهم الله والله بكل شيء عليم.



2 فئة خاضعة لموازين تقييم عقلية لا منطقية ومشوهة، تسعى للتقارب غير المبرر مع العدو الظاهر تحت اسم الحداثة والحرية والديمقراطية والفردية، فهي فئة صامتة وفق مبادئ ومعايير متعارف عليها بينهم لتحييد شريعة الله في أرضه واتخاذ أعراف إنسانية موضوعة من قبل البشر ذاتهم خدمة للشيطان، وهم فئة قابلة لبيع ذممها لمن يدفع أكثر، مع دورانهم حول مواضيع كالمواطنة والانتماء وسرعة تخوين الآخر وهم أهل تلون وتشكل ونفاق، وأولئك هم الذي يبارك لهم إبليس هذه المبادئ والقيم العليا في نفوسهم، وكان كيد الشيطان ضعيفا.



3 فئة خائفة من إبداء الرأي فضلا عن الفعل في صد ما يجدر بهم صده، حماية لأعظم مقدساتهم على الأرض ولا عن أعراضهم، وهؤلاء ليسوا ضمن حماة الحرمين، وسيكونون ضحية للفئة الأولى لو تمكنت في الأرض، والله الواحد القهار.



4 فئة تمارس دورها التنويري، وتضع النقاط على الحروف وتنزل الوصف على الموصوف، وهم علماء ومفكرو ومثقفو الإسلام من العارفين، وهم قادة البشرية، وهم بالضد من الفئة الأولى التي تكن لهم حقدا ظاهرا ودفينا، وهم هدف للاستنقاص والتشويه وتحريف ما يصدر عنهم، ولكن حجتهم دامغة وبيانهم غالب مع قلة المعين والنصير البشري، وفوق كل ذي علم عليم.



5 فئة غائبة لا تمتلك أدوات التمييز العقلي المعرفي، وهي السواد الأعظم من المسلمين، إلا أن عاطفتهم تجاه مقدساتهم طاغية ظاهرة، وهم على استعداد لبذل أرواحهم على أبواب مكة والمدينة دون تردد، يفزعون من بطون القارات حماية للدين الخاتم ومقدساته الطاهرة.



6 فئة لا تحسن الكلام ولا التعبير، ولكنها ستكون في مقدمة الصفوف دون داع أو مناد، وهي من تمارس الردع المباشر باستبسال منقطع النظير عندما يكون هذا هو الخيار الوحيد، وهم جند الله في أرضه، والله العزيز الجبار.



وبغض النظر عن قدرات حماة الحرمين وخدامه القتالية المتقدمة، وخبرتهم الحربية، واستعدادهم الملحوظ وعلو كعبهم، واستعصاء أرضهم ورجالهم على الترويض، فجزيرة العرب تبتلع الغزاة وتدفنهم أحياء في رمالها الملتهبة، ويكفي فرسانها اللبن والتمر فهم لا يخشون وطء الرمضاء حفاة.. فدماؤهم تغلي في الظل وتاريخهم يشهد لهم بالبسالة والشجاعة والدهاء، فكيف وهم تحت راية التوحيد، وفي يدهم سيف الله المسلول على أعدائه، فالله تعالى ناصر عباده الموحدين، وهو العظيم المتعال القائل (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل* ألم يجعل كيدهم في تضليل*وأرسل عليهم طيرا أبابيل* ترميهم بحجارة من سجيل* فجعلهم كعصف مأكول).



إن استهداف بيت الله العتيق، سيجعل من جيوش الغزاة عصفا مأكولا، فلو استنصر ولي الأمر فسيجيبه أهل الإسلام لحرب لا تبقي ولا تذر، ولا قوة إلا بالله.