التستر التجاري..

من السمات المميزة للواقع الاجتماعي الحديث في المملكة العربية السعودية تعدد الجنسيات التي تعيش على أرض الوطن، وهذا ما فرضته التنمية التي عاشتها وتعيشها البلاد في العقود الأخيرة، وهذا التواجد رغم مساهمته الفاعلة في الحراك التنموي والاقتصادي إلا أنه من الطبيعي أن يقابله من الناحية الأخرى سلبيات كثيرة سواء من

من السمات المميزة للواقع الاجتماعي الحديث في المملكة العربية السعودية تعدد الجنسيات التي تعيش على أرض الوطن، وهذا ما فرضته التنمية التي عاشتها وتعيشها البلاد في العقود الأخيرة، وهذا التواجد رغم مساهمته الفاعلة في الحراك التنموي والاقتصادي إلا أنه من الطبيعي أن يقابله من الناحية الأخرى سلبيات كثيرة سواء من

الجمعة - 04 يوليو 2014

Fri - 04 Jul 2014



من السمات المميزة للواقع الاجتماعي الحديث في المملكة العربية السعودية تعدد الجنسيات التي تعيش على أرض الوطن، وهذا ما فرضته التنمية التي عاشتها وتعيشها البلاد في العقود الأخيرة، وهذا التواجد رغم مساهمته الفاعلة في الحراك التنموي والاقتصادي إلا أنه من الطبيعي أن يقابله من الناحية الأخرى سلبيات كثيرة سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية وحتى الاجتماعية، ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن الجانب الأمني أو الاجتماعي رغم أهميتهما بل للحديث عن الجانب الاقتصادي وبيان الجانب القانوني لحقيقة الأمر فهذه العمالة تفقد الاقتصاد الوطني في كل سنة بحسب إحدى الدراسات المتخصصة مبلغ ثلاثمئة مليار ريال، وهذا الرقم يزيد بشكل سنوي، وبطبيعة الحال فإن لهذه الظاهرة آثارا وتبعات قانونية واقتصادية تؤثر سلبا على نمو واستقرار البلاد، فهي في حقيقتها تستر تجاري ولا يمكن تسميتها بغير ذلك.

فالتستر التجاري من ناحية قانونية مخالفة واضحة وصريحة للأنظمة المعمول بها في البلاد، ويعني من ناحية أخرى مخالفة العامل الأجنبي للمبدأ الذي أعطي بموجبه حق الإقامة في البلاد، ولذلك نصت المادة الأولى من نظام مكافحة التستر على أن تمكين غير السعودي من أن يُمارس أو يستثمر في أي نشاط غير مُرخّص له بمُمارسته أو الاستثمار فيه بمُوجب نظام الاستثمار الأجنبي أو غيره من الأنظمة واللوائح والقرارات مخالفة واضحة لصريح النظام، ويُعدّ متستراً كل من يمكّن غير السعودي من الاستثمار في أي نشاطٍ محظورٍ عليه الاستثمار فيه أو ممارسة أي نشاطٍ محظورٍ عليه مُمارسته، سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري، أو بأي طريقةٍ أُخرى.

أما من الناحية الاقتصادية فيرى المختصون في هذا المجال أن التستر يدخل فيما يسمى باقتصاد الظل، أي إنه لا يدخل في حساب الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وبالتالي فهو قيمة مفقودة من الاقتصاد السعودي، وهذا من شأنه أن يخل بكفاءة الاقتصاد ويحرم المواطن من الفرص التجارية والاستثمارية الحقيقية، ولذلك أوجب نظام مكافحة التستر عقوبة لمن يخالف أحكام المادة الأولى السابق ذكرها بالسجن لمدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتعدد العقوبة بتعدد حالات التستر سواء من حيث الأشخاص أو المنشآت التي يمارس فيها النشاط، إضافة إلى نشر قرار العقوبة على نفقة المخالف في واحدة أو أكثر من الصحف المحلية، والمتأمل في هذه النصوص يجد أنها تحقق الردع وتجزر المخالف عن ممارسة المخالفة أو الاستمرار فيها.. ولكن..!!

أنا مؤمن بأن النص القانوني يولد ميتا، وحياته تكون بتطبيقه بفعالية وحزم، والمتأمل في أغلب المنشآت الاقتصادية في البلاد بدءا من محلات البقالة والبوفيهات الصغيرة وصولا إلى بعض المصانع والشركات يجد أنها تدار من قبل عمالة وافدة، بل هي فعليا مملوكة من قبل عمالة وافدة، ولا يملك منها المواطن السعودي أكثر من الاسم التجاري والتراخيص الصادرة من الجهات النظامية والتي تسمح له بممارسة هذا النشاط أو ذاك، وهذا الواقع أفرزه جهل المواطن بما تقرره الأنظمة، وتخليه عن مسؤوليته في المساهمة الفاعلة في زيادة الناتج المحلي للبلاد، واكتفائه بفتات قليل مما تلقيه إليه تلك العمالة من فضلة ربحها الوفير، وبطبيعة الحال فإن بقاء النصوص القانونية دون تطبيق رغم صدورها من سنوات عدة أدى إلى تفشي هذه الظاهرة ونموها سنة بعد أخرى، بل إن حتى بعض المستثمرين بدؤوا بالبحث عن (متستر) سعودي يمكنهم من الدخول من خلاله إلى السوق السعودية والاستثمار فيه بعيدا عن نظام الاستثمار الأجنبي وإجراءاته، وهذا الواقع لم يكن ليتأتى لولا جهل المواطن بدوره كما سبق بيانه وضعف الرقابة وعدم قيام الجهات المختصة بواجبها في تطبيق الأنظمة والحفاظ على مكتسبات الوطن، والحيلولة دون استمرار هذا النزف لموارد ومقدرات الوطن.

وبطبيعة الحال فإن المعالجة لهذا الواقع المؤسف باتت ملحة ولكنها في ذات الوقت تقتضي الحكمة والبصيرة والتدرج في تطبيق النظام، إذ إن التطبيق الفوري والسريع لنصوص النظام سيؤدي في تقديري إلى شلل شبه تام لأغلب المنشآت الاقتصادية العاملة في السوق السعودية خاصة تلك التي لها علاقة بحياة المواطن اليومية، مما يعني عمليا تعطيل الاقتصاد. فهل من حل..؟؟