خطابنا الفقهي وظاهرة (حراسة المذهب)

مما يعاني منه الخطاب الفقهي في السعودية غياب التعددية في الآراء الفقهية، فسيادة المذهب الحنبلي وتسيده الساحة في الفتاوى الرسمية، وفي الأطروحات في الإعلام، والتدريس الجامعي، همش أطروحات المذاهب الفقهية الأخرى؛ إذ توارت بعيدا عن واقع الناس، وهذا حرم المجتمع من ثراء فقهي هائل، وأدى إلى جهل الغالبية من المتدينين العوام والمثقفين من غير أصحاب التخصص الشرعي بوجود أقوال أخرى في القضايا الفقهية المتداولة لها حظها من النظر والقوة، وهذا بدوره أدى إلى ثلاثة أمور: الأمر الأول: الموقف المتشنج لدى عوام المتدينين بل من قطاع عريض من طلاب العلم، وبعض العلماء من طرح آراء فقهية مخالفة للسائد في مجتمعنا، وهذا يدل على أزمة عميقة ومخيفة يعاني منها خطابنا الفقهي على مستوى التعامل مع المخالف، إذ يتحول الأمر أحيانا من بعض الفتاوى المخالفة للسائد كالقول بحل الغناء، وكشف وجه المرأة ، وحل عملها في بيئة مختلطة مع التزامها بالحجاب إلى هستيريا جماعية، وإلى توحش في الردود، ومطالبات بالحجر، وقائمة طويلة من السباب والتحقير لمن طرحها، وترفع ألوية حماية الدين والفضيلة، وهي في حقيقتها (حراسة للمذهب)، وما يحصل يذكر بالشغب الذي كان يقوم بين أتباع المذاهب الفقهية في القرون الماضية، وقديمًا تنبَّه الشاطبي لمثل هذا؛ إذ قال: «ينبغي على الفقيه إذا أفتى أن يذكر الأقوال في المسألة إلى جانب قول إمامه حتى لا يحمل الناس على النيل من هذه الأقوال، والقائل بها أئمة» أو كلمة نحوها

مما يعاني منه الخطاب الفقهي في السعودية غياب التعددية في الآراء الفقهية، فسيادة المذهب الحنبلي وتسيده الساحة في الفتاوى الرسمية، وفي الأطروحات في الإعلام، والتدريس الجامعي، همش أطروحات المذاهب الفقهية الأخرى؛ إذ توارت بعيدا عن واقع الناس، وهذا حرم المجتمع من ثراء فقهي هائل، وأدى إلى جهل الغالبية من المتدينين العوام والمثقفين من غير أصحاب التخصص الشرعي بوجود أقوال أخرى في القضايا الفقهية المتداولة لها حظها من النظر والقوة، وهذا بدوره أدى إلى ثلاثة أمور: الأمر الأول: الموقف المتشنج لدى عوام المتدينين بل من قطاع عريض من طلاب العلم، وبعض العلماء من طرح آراء فقهية مخالفة للسائد في مجتمعنا، وهذا يدل على أزمة عميقة ومخيفة يعاني منها خطابنا الفقهي على مستوى التعامل مع المخالف، إذ يتحول الأمر أحيانا من بعض الفتاوى المخالفة للسائد كالقول بحل الغناء، وكشف وجه المرأة ، وحل عملها في بيئة مختلطة مع التزامها بالحجاب إلى هستيريا جماعية، وإلى توحش في الردود، ومطالبات بالحجر، وقائمة طويلة من السباب والتحقير لمن طرحها، وترفع ألوية حماية الدين والفضيلة، وهي في حقيقتها (حراسة للمذهب)، وما يحصل يذكر بالشغب الذي كان يقوم بين أتباع المذاهب الفقهية في القرون الماضية، وقديمًا تنبَّه الشاطبي لمثل هذا؛ إذ قال: «ينبغي على الفقيه إذا أفتى أن يذكر الأقوال في المسألة إلى جانب قول إمامه حتى لا يحمل الناس على النيل من هذه الأقوال، والقائل بها أئمة» أو كلمة نحوها

الأربعاء - 17 ديسمبر 2014

Wed - 17 Dec 2014

مما يعاني منه الخطاب الفقهي في السعودية غياب التعددية في الآراء الفقهية، فسيادة المذهب الحنبلي وتسيده الساحة في الفتاوى الرسمية، وفي الأطروحات في الإعلام، والتدريس الجامعي، همش أطروحات المذاهب الفقهية الأخرى؛ إذ توارت بعيدا عن واقع الناس، وهذا حرم المجتمع من ثراء فقهي هائل، وأدى إلى جهل الغالبية من المتدينين العوام والمثقفين من غير أصحاب التخصص الشرعي بوجود أقوال أخرى في القضايا الفقهية المتداولة لها حظها من النظر والقوة، وهذا بدوره أدى إلى ثلاثة أمور: الأمر الأول: الموقف المتشنج لدى عوام المتدينين بل من قطاع عريض من طلاب العلم، وبعض العلماء من طرح آراء فقهية مخالفة للسائد في مجتمعنا، وهذا يدل على أزمة عميقة ومخيفة يعاني منها خطابنا الفقهي على مستوى التعامل مع المخالف، إذ يتحول الأمر أحيانا من بعض الفتاوى المخالفة للسائد كالقول بحل الغناء، وكشف وجه المرأة ، وحل عملها في بيئة مختلطة مع التزامها بالحجاب إلى هستيريا جماعية، وإلى توحش في الردود، ومطالبات بالحجر، وقائمة طويلة من السباب والتحقير لمن طرحها، وترفع ألوية حماية الدين والفضيلة، وهي في حقيقتها (حراسة للمذهب)، وما يحصل يذكر بالشغب الذي كان يقوم بين أتباع المذاهب الفقهية في القرون الماضية، وقديمًا تنبَّه الشاطبي لمثل هذا؛ إذ قال: «ينبغي على الفقيه إذا أفتى أن يذكر الأقوال في المسألة إلى جانب قول إمامه حتى لا يحمل الناس على النيل من هذه الأقوال، والقائل بها أئمة» أو كلمة نحوها.
الأمر الثاني: حصار الفقيه، وتكبيله من أن يطرح أي اجتهاد مخالف لما هو سائد؛ فإما أن يتراجع عن فتواه نتيجة الضغط من جمهور المتدينين - وقد حصل هذا في مرات كثيرة - وإما أن يجبن عن طرح رأيه المخالف على الملأ، فيبقى رأيه حبيس دائرة صغيرة خاصة به، ومن المتعارف لدى طلبة العلم في مجتمعنا أن يكون الفقيه له رأيان؛ رأي يطرحه أمام الملأ، ورأي آخر يهمس به في مجالسه الخاصة.
الأمر الثالث: صدمة كثير من المثقفين والعوام من خطابنا الفقهي حينما يطَّلِعون على بعض الفتاوى والأقوال الأخرى تطرح في الفضائيات، ومنابر الإعلام في الخارج، إذ يسمعون من علماء أجلاء من دول أخرى آراء وأقوال مخالفة لما هو سائد لدينا، بل هي أقوال مرذولة ومنتقصة دينيًّا في المخيال الشعبي لدينا.
وهذا أدى بالجمهور المثقف إلى حملة تنقُّص لبعض الفقهاء لدينا، وتشكيك، وترسيخ تهمة الجمود والصحراوية لخطابنا الفقهي.
إن التعددية الفقهية في مجتمع ما دليل على حيويته، وازدهار الفقه فيه، وكثرة الفقهاء، ولهذا وجدنا أرقى عصور الأمة الإسلامية وهي القرون الثلاثة الأولى أكثر فترات الأمة ازدهارا وتعددا في الأقوال والآراء الفقهية؛ إذ يندر أن يوجد عالم من كبار علماء تلك القرون ليس له آراء واختيارات مخالفة لغيره، بل اختلف علماء القرن الثاني والثالث في أصول الاستدلال كالقياس، والاستحسان، والإجماع، والمصلحة المرسلة، وقول الصحابي، وعمل أهل المدينة، ونتج عن هذا خلافات واسعة جدًا في الفروع الفقهية حتى قال ربيعة بن عبدالرحمن أحد علماء المدينة حينما عاد من العراق وسئل: كيف رأيت العراق وأهلها؟ قال: «رأيت قوما حلالنا حرامهم، وحرامنا حلالهم»، وإنما أراد كثرة المسائل التي يختلفون بها عن أهل المدينة.
وحينما بدأ الانحطاط الحضاري للأمة في القرن الخامس وما بعده ترسخت المذاهب، وبدأ التعصب بين أهلها، وأغلق باب الاجتهاد، وبدأ الصراع بين المنتسبين إليها، حتى طرحت فتاوى تمثل هذا التعصب؛ مثل: هل يصح الزواج من المخالفة في المذهب الفقهي؟ وهل يجوز أكل ضحية ذكَّاها مخالف في المذهب الفقهي؟، ووضعت في الجوامع أربعة محاريب؛ لكل مذهب محراب، كما صنع في الجامع الأموي في دمشق والمسجد الحرام، وسجن بعض الفقهاء الكبار بسبب رأي فقهي رآه خالف فيه المذاهب الفقهية الأربعة.
وإذا كان خطابنا الفقهي قد استطاع أن يتجاوز هذا التعصب الضيق إلا أنه بقي فيه من ظاهرة التعصب محاربته الشرسة لكل رأي فقهي مخالف للسائد، وهي – على كل حال – حرب خاسرة؛ إذ منافذ التوجيه والتأثير أصبحت فضاء مفتوحًا ليس لأحد السلطة عليها.