صالح عبدالله كامل

تدبر القرآن الكريم

السوق
السوق

الأحد - 16 أكتوبر 2016

Sun - 16 Oct 2016

(وجاءوا على قميصه بدم كذب..)

من قميص يوسف استنبط المتدبرون الكثير:

* قد لا يكون أعداؤك في وطن آخر، ولكنهم قد يكونون ممن يقاسموك رغيفك وأنت لا تدري.

* أن المظلوم منصور ولو كان صغيرا لا يدرك، أو مكلوما لا يفصح، أو غافلا لا يعي، أو عاجزا لا ينتصر.

* أن ريح الأحبة لا تخطئها القلوب: (قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف).

* وتعلمنا من قصة يوسف عليه السلام أن إظهار المواهب والامتيازات حتى بين الإخوان، وتفضيل بعضهم على بعض، من أسباب التنافر والكيد والبغضاء، ولهذا نصح يعقوب يوسف (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا).

* الصبر الجميل قد يكون طعمه في البداية مرا.. ولكنه جميل في نتائجه الأخيرة.

وتعلمنا من يوسف التماس العذر لإخوته رغم كل ما فعلوه به.

والدرس الأبلغ في هذه القصة القرآنية العظيمة الدروس البليغة العبر:

إن استحضار الخوف من الله وتوافر التقوى لله هما من أكثر الحصون مناعة في وجه المعصية، ويكفي أنها أتت تقول ما قاله يوسف حين (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) يوسف الآية 23.



واعلم أخي القارئ الكريم أن معظم المسلمين يتلون هذه السورة ويستمعون إليها من كبار القراء الذين كانوا يستحسنون قراءتها خاصة في المساجد والاحتفالات الدينية في مصر على سبيل المثال. وكم كان تجاوب السامعين عظيما وتفاعل القراء كبيرا، لجمال القرآن وحلاوته وطلاوته في المقام الأول، وأظن أن اختيارات المقرئين كانت بسبب العظات والعبر.. ولحظات الصبر والانتظار.. وساعات الفرج والانتصار.. يقول ابن الجوزي: قرأت سورة يوسف عليه السلام فتعجبت من مدحه على صبره وشرح قصته للناس ورفع قدره، فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفته للهوى المكروه. فقلت: واعجبا لو وافق هواه من كان يكون؟؟!! ولما خالفه لقد صار أمرا عظيما، تضرب الأمثال بصبره وتقواه، ذلك أن إيمان المؤمن يظهر عند الابتلاء.

ونبي الله يعقوب عليه السلام بقي ثمانين عاما في البلاء ورجاؤه لا يتغير أو يتأثر، فلما فقد ابنه بنيامين بعد فقد يوسف لم يتغير أمله في الله.. وقال: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) فالحذر أن يستطيل أحدنا زمن البلاء أو يتضجر من كثرة الدعاء وتأخر الاستجابة، فالصبر عبادة تدفع إلى عدم اليأس من روح الله وإن طال البلاء.



خلال تواجدي في مشفاي ببكين، العاصمة الصينية، شعرت، رغم المستلزمات الطبية اليومية، والالتزامات العلاجية، أنني أملك مزيدا من الوقت، بالرغم أيضا من تواصلي مع أهلي وزملائي في العمل بصورة شبه يومية. وكم سعدت بهذا الوقت الذي وجدته ورحت أزيد من تدبري لكتاب الله الكريم وتفكري في آياته العظيمة..

والحقيقة أن قراءة القرآن بأكبر عدد من الآيات والسور بقصد جمع الحسنات حسبما تعودنا صغارا بكل حرف وبكل آية.. ولا شك أن تلاوة القرآن على أي شكل نعمة عظيمة في طياتها راحة للنفس وجلاء للهموم، ولكني حين أدركت في السنوات الأخيرة القيمة الحقيقية للتدبر والتفكر والتأمل في هذا القرآن العظيم، خصصت لنفسي مصحفين، الأول لجني الحسنات، والثاني لتدبر الآيات، دون أن أنقطع عن عادة لازمتني وكثير منكم في قراءة القرآن منذ الصغر.. ولا يمكنني إلا أن أعترف أن قراءة التدبر والوصول إلى الاستنتاجات العظيمة عبر المقارنة والتحليل والتطبيق.. جعلت الوقت الذي يحيط بي فائضا هنا.. أكثر متعة وأعظم نفعا.



ولكم استوقفتني هذه الآية المباركة بما تكتنزه من معان، حيث وجدت أنها رغم أنها تقع في إطار قصصي بليغ، ولكنها يستقى منها الكثير من التشريع.. الآية 23 من سورة القصص:

(ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير)، وتذودان هنا بمعنى تحبسان غنمهما حتى يفرغ الناس من سقي ماشيتهم، وتخلو لهما البئر. وفي هذا إعلان واضح – حسب فهمي – لعمل المرأة حتى مع وجود الرجال في نفس العمل، بالضوابط والشروط والتي ذكرت إحداهما بقولهما: حتى يصدر الرعاء. وجوب إعالة البنت لأبيها، خاصة إذا كان شيخا كبيرا.. والمقصود هنا نبي الله شعيب.. وله مع نبي الله موسى عليهما السلام قصة أخرى قبل أن يزوج موسى إحدى ابنتيه مقابل عمل مدته ثماني حجج، فإن أكمل موسى عشرة فمن عنده، وهذا جعلني أعتقد في صحة أن المهر ليس شرطا أن يكون مالا.. ولكنه من الممكن أن يكون عملا يؤدى في المقابل للزوجة أو وليها.. كثير من هذه الأمور لم تكن جلية أمامي وأمام كل من قرأ القرآن فقط من أجل حسنة بكل حرف.. وهذا لا شك خير عميم، ولكن مع التدبر والتمعن تكتمل المعاني جمالا ويزيد الارتباط بالآيات والسور. وحين قرأت الآية السادسة والعشرين من سورة القصص: (قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) لم أر بأسا في أن تخطب المرأة شريك حياتها وتختاره حين تكتمل فيه المواصفات وتتوسم فيه الخير والصلاح. ألم تخطب السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي سيدة الأعمال الكريمة، محمدا (صلى الله عليه وسلم)، وأرسلت إليه من يفاتحه في الأمر، فجاء عليه السلام وخطبها وكونا معا أعظم أسرة عرفتها البشرية، وكونا أجمل بيت للزوجية في هذا التاريخ.. لقد وجدت في رسول الله كل المواصفات التي تبحث عنها سيدة شريفة تعمل بالتجارة.. إنه محمد الصادق الأمين.



ولو سمحنا في حدود هذه الضوابط الواضحة لأخواتنا وبناتنا أن يكون لهن الحق في هذا الاختيار بمواصفاته الشرعية، لخلت كثير من بيوتنا من العانسات ولما بقيت الكثيرات منهن قابعات في محطات الانتظار.. حتى يفوتهن القطار تلو القطار، لمجرد أننا نتمسك بعادات بالية وتقاليد صنعتها أفكارنا الغارقة أحيانا في بحور الفوقية والقبلية.

ولا أدري لماذا نتفنن في صنع القيود للمرأة.. ثم نذرف الدمع على حظها العاثر!!