الأكوان المتوازية في تركيا

إذا كنت تعيش في تركيا هذه الأيام وتشاهد قنوات التلفزيون، تستطيع أن ترى حقيقة مدهشة لأكوان متوازية. بعبارة أخرى، تستطيع أن ترى رؤى سياسية متناقضة تماما تعيش جنبا إلى جنب دون أن يكون بينها أي ترابط.

إذا كنت تعيش في تركيا هذه الأيام وتشاهد قنوات التلفزيون، تستطيع أن ترى حقيقة مدهشة لأكوان متوازية. بعبارة أخرى، تستطيع أن ترى رؤى سياسية متناقضة تماما تعيش جنبا إلى جنب دون أن يكون بينها أي ترابط.

السبت - 27 ديسمبر 2014

Sat - 27 Dec 2014



إذا كنت تعيش في تركيا هذه الأيام وتشاهد قنوات التلفزيون، تستطيع أن ترى حقيقة مدهشة لأكوان متوازية. بعبارة أخرى، تستطيع أن ترى رؤى سياسية متناقضة تماما تعيش جنبا إلى جنب دون أن يكون بينها أي ترابط.

أول هذه الأكوان وأكبرها هو الكون المؤيد للحكومة – أو المؤيد لرجب طيب إردوغان، لنكن أكثر دقة. هذا التيار يمتلك على الأقل سبعة صحف يومية وأكثر من عشرة قنوات تلفزيونية إخبارية، ومهمة هذا التيار الرئيسية الدفاع عن الحكومة وشيطنة أعدائها. كل ليلة، يجتمع عشرات المحللين والمعلقين على هذه القنوات التلفزيونية للاتفاق على مبدأ أن الحكومة على حق دائما وأن أعداءها دائما على باطل. هم ببساطة لا يستضيفون مطلقا أصواتاً من المعارضة لأن ذلك يمكن أن يعكر تناغم الكون المؤيد للحكومة.

الكون الثاني هو ذلك الذي يعادي الحكومة. من المؤكد أن هذا الكون أكثر تنوعاً، وهو يمتد من العلمانيين إلى القوميين إلى حركة جولن الدينية، وهو نسبياً أكثر مرونة من الكون المؤيد للحكومة. ومع ذلك فإن هذا التيار ليس موجودا من أجل البحث الموضوعي عن الحقيقة أو من أجل نقاش مفتوح يشمل وجهات النظر المعارضة له. هذا التيار موجود لكي يعارض، وأحيانا يشيطن، الحكومة. هنا أيضاً يجتمع أشخاص متشابهون في التفكير لتأكيد افتراضاتهم المشتركة، دون وجود ما يعكر تناغمهم في الكون المعارض للحكومة.

إلى جانب هذين الكونين الواضحين، توجد لحسن الحظ بعض المنافذ الإعلامية التي تشكل كوناً ثالثا، وذلك من خلال محاولتها أن تكون منصفة وموضوعية. في هذه المنافذ الإعلامية، بإمكانك أن تشاهد معلقين ومحللين من الكونين المتعارضين يجتمعون ويواجهون بعضهم بعضا. لذلك تحدث أكثر النقاشات إثارة للاهتمام في هذه القنوات التلفزيونية. ولذلك أيضا فإن هذين التيارين الآخرين يتهمان هذا التيار الثالث بأنه جبان وبلا مواقف واضحة.

لكن هناك خطر متصاعد تواجهه تركيا: الكون الأكثر قوة وطموحاً، وهو التيار المؤيد للحكومة، قد يتوسع بشكل متزايد ويهمش الكونين الآخرين. إن وجود الآلة الحكومية بكل قوتها خلف هذا التيار يجعله لا يغلب: موارده المالية غير محدودة، وأمنه القانوني مضمون تماما. أما الكونان الآخران فإنهما يتعرضان للتهديد المستمر. بعض الكتاب في الكون المؤيد للحكومة يقولون علناً إن بعض العناصر من الإعلام المعارض للحكومة يجب «مصادرتها»، لأنها تخدم «إرهابيين»، والمقصود هنا هي حركة جولن الدينية. نفس الكتاب يدعون علناً أيضاً قادة الكون الثالث إلى طرد بعض كتاب الرأي لأنهم يرتكبون «الخيانة»، وهذا يعني بشكل أساسي أنهم يزعجون سادة الكون الأول.

بعبارة أخرى، مع أن الانقسامات العميقة في الإعلام التركي مشكلة كبيرة حالياً، إلا أن هناك مشكلة أكبر تنتظر في المستقبل إذا توسع الكون الأول من خلال تهميش وابتلاع الكونين الآخرين. إذا تمكن سادة الكون الأول من تحقيق ذلك، ربما سيكونون سعداء جداً، معتقدين أنهم أوجدوا كونا قوياً مع كثير من النجوم البراقة. لكن ما سيجدونه في الحقيقة سيكون ثقباً أسود بارداً بلا حياة.