عبدالله محمد الشهراني

في وداع الجامبو

الأربعاء - 12 أكتوبر 2016

Wed - 12 Oct 2016

لحظات حزينة في أغلب مطارات العالم صاحبت وداع طائرة الجامبو (بوينج 747)، لحظات لم يتمالك فيها الملاحون والفنيون وبعض المحبين أنفسهم من ذرف الدموع لوادع محبوبتهم.



منظر مهيب تُظهِره تلك الصورة التي التقطت في تاريخ 30 سبتمبر 1968 في أول ظهور للطائرة بوينج 747، حيث احتشد كبار المسؤولين الأمريكيين وكبار الشخصيات ووكالات الأنباء وموظفو شركة بوينج اعتبرت تلك الطائرة في ذلك الحين ثورة في عالم الطيران.



حلقت الطائرة في السماء كأول رحلة اختبار لها في تاريخ 9 فبراير 1969، وأقلعت الجامبو من نيويورك متجهة إلى لندن في أول رحلة رسمية لها في تاريخ 22 يناير 1970.



لقد جلبت الجامبو لشركة بوينج الأرباح الكبيرة من خلال المبيعات فلقد تم بيع وتسليم 1525 طائرة حتى تاريخ المقال و17 طائرة فقط تحت التصنيع.



سنوات طويلة من النجاحات وصلت إلى أربعة عقود، كانت فيها الجامبو ملكة السماء دون منازع، إلى أن رأى العالم مولودا جديدا يخرج من رحم شركة إيرباص يدعى A380 في عام 2007، بعد هذا التاريخ بدأت الجامبو تواجه عواصف قوية بين منافسة شرسة وارتفاع تكاليف تشغيلها مقارنة بالطائرات الجديدة إيرباص 380 وبوينج 777 وإيرباص 330، وحالياً طائرتا بوينج 787 وإيرباص 350. قديماً كان من السهل على شركات الطيران خلق رحلات طويلة وبيع جميع مقاعدها وبسعر جيد لانعدام المنافسة تقريباً. طائرة تستطيع حمل 660 راكبا وتقطع مسافة 14 ألف كليو متر بسرعة تصل إلى 939 كيلومترا/ ساعة.



للجامبو 21 نوعا تختلف من ناحية غرض الاستخدام (شحن أو ركاب) وطول الهيكل ومساحة الدور العلوي من ناحية أخرى، يفضلها رؤساء الدول لجانب الأمان، فهي تحتوي على أربعة محركات ولرحابة مساحتها الداخلية، بوينج 747 داش 400 هو النوع الأشهر والأكثر مبيعاً، فلقد تم بيع وتسليم 694 طائرة من هذا النوع بمواصفات متعددة.



لكن وكما هو معروف لكل شيء نهاية، شخصياً رأيت نهاية الجامبو في عام 2012، أصدقاؤنا الأمريكيون لديهم مَلَكة التسويق وفنون الإعلام، ولقد أبلوا بلاءً حسناً لإنقاذ الجامبو، وصوروا للعالم أنها ما زالت الملكة وأنه لا ثمة خوف عليها، لكن لغة الأرقام تعرض الحقيقة بلا رحمة على الخاسر وبدون مجاملة للناجح، ففي عام 2012 تم الإعلان عن عدد الصفقات التي أبرمت لشراء الطائرة إيرباص 380 وصلت إلى 253 طائرة، وفي المقابل انخفض عدد الصفقات للطائرة بوينج 747 إلى 106 طائرات، جميعها طائرات شحن ماعدا 27 طائرة للركاب. الرقم 27 هو الدليل على غروب شمس الجامبو.



إن سعر الطائرة الذي يصل إلى 1.4 مليار ريال سعودي، وتكلفة الصيانة الباهظة، وكمية الوقود التي تحتاجها الطائرة، عوامل جعلت من بقاء الجامبو على قيد الحياة أمراً صعباً بجانب المنافسة وارتفاع أسعار النفط، مما اضطر 34 شركة طيران للاستغناء عنها، وهذا الرقم في ازدياد مطرد وخصوصاً بعدما أعلنت شركة بوينج في شهر أغسطس المنصرم عن إقفال خط تصنيع الجامبو.



سوف تجدون مقاطع فيديو في موقع اليوتيوب لشركات طيران تقيم حفلة وداع لآخر رحلة، مشاهد عاطفية حزينة صاحبتها دموع الفراق التي ذرفها الملاحون، فلا غرابة ولا مبالغة في تلك المشاعر الصادقة، فعبارة (أنا كابتن 747، أو مشرف 747 أو فني 747) ليست بالبسيطة، بل هي مكانة عالية وموقع مرموق، بالإضافة إلى قصص وذكريات المسافرين، وخصوصاً أولئك الذين كانوا يقومون بتعديل مواعيد حجوزاتهم لتصادف رحلة يتم تشغيلها بطائرة الجامبو، وفي المقابل أغلب الرؤساء التنفيذيين لشركات الطيران الذين يهمهم في المقام الأول الربح والخسارة، نجدهم يدلون بتصريحات تؤذي محبي الجامبو، حيث ترى الأغلبية ضرورة الاستغناء عن الجامبو في أقرب وقت.



[email protected]