الكذب سياسة

نعرف أن السياسة تعتمد على الكذب، الذي يمكن أن يسمى في قاموسها في نوع من التخفيف من وقعه «لياقة خطابية»

نعرف أن السياسة تعتمد على الكذب، الذي يمكن أن يسمى في قاموسها في نوع من التخفيف من وقعه «لياقة خطابية»

الاحد - 01 فبراير 2015

Sun - 01 Feb 2015

نعرف أن السياسة تعتمد على الكذب، الذي يمكن أن يسمى في قاموسها في نوع من التخفيف من وقعه «لياقة خطابية».
وعرفنا في التاريخ السياسي والديني القديم والمعاصر ضروبا من الكذابين، حتى إن بعضهم كذب على الله، ولكن هذا ليس شأننا، الشأن هنا هو التعرض لمجموعة دينية سياسية في اليمن، تمارس الكذب والتضليل دون أدنى قدر من «اللياقة الأخلاقية أو السياسية».
شاركت على مدى سنوات في برامج حوارية إعلامية، وحلقات نقاش وحوارات مغلقة مع عدد من الفرقاء السياسيين على الساحة اليمنية، لكني أسجل هنا أنني لم أجد من يمارس الكذب منهجا معتمدا كالجماعة الحوثية، التي وصلتُ معها إلى مسلمة أننا إذا أردنا أن نعرف حقيقتها، فعلينا أن نعكس كلام المتحدثين باسمها، لأنهم بكل صراحة «يكذبون كما يتنفسون».
يوم عشرين يناير الفائت سيطر الحوثيون على دار الرئاسة اليمنية ونهبوا ما وجدوا من أسلحة كانت تتبع ألوية الحماية الرئاسية التي جاءتها أوامر بالتسليم، ثم اتجهوا إلى منزل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في شارع الستين في العاصمة صنعاء، واشتبكوا مع حراسته الشخصية، وقتلوا عددا منهم، بمن في ذلك عدد من أفراد أسرته.
كان ذلك كافيا لأن يجعل الحوثي يوقع على شهادة وفاة العملية السياسية في البلاد، لكنه خرج علينا ليقول إنه إنما استولى على السلاح لحمايته من القاعدة في صنعاء، وإنما قتل حراسة الرئيس، وبعض أفراد أسرته، من أجل حمايته من القاعدة والعصابات المسلحة!وبعد ذلك بأيام، فض الحوثيون مظاهرة حاشدة ضدهم اندلعت في صنعاء، مستخدمين الرصاص الحي والسلاح الأبيض «الجنبية»، والهراوات، وقد سقط عشرات الجرحى واعتقل العشرات.
لاحقا قالت أبواق الحوثيين الإعلامية، إنهم إنما فرقوا المتظاهرين، خوفا عليهم من أن يندس أحد عناصر القاعدة بينهم، ويفجر نفسه، ويوقع فيهم مئات الضحايا.
ليس لنا – هنا - إلا أن نبلع ألسنتنا ونقبل بتبريرات «أنصار الله»، الذين انتسبوا زورا إليه.
الشيء المدهش أننا إزاء هذا الوضع السياسي المتقلب في اليمن نجد نغمة الحوثيين هذه الأيام قد خفت إزاء خصومهم التقليديين من «الإخوان المسلمين».
بالأمس كان الحوثيون يقولون إن «الإخوان» هم «الجناح السياسي للقاعدة والدواعش والتكفيريين والإرهابين».
وقد فجر الحوثيون مقرات الإخوان، ودور القرآن التي يشرفون عليها، ونسفوا المساجد التي يتولون الخطابة فيها، على أساس أنها مساجد ضرار ونفاق.
لكن هذه النغمة تحولت مع موافقة الإخوان في اليمن على الجلوس إلى طاولة التفاوض مع الحوثيين بعد انقلابهم على العملية السياسية في البلاد.
واليوم يتحدث الحوثيون عن «الإخوة في الإصلاح».
وليس لنا إلا أن نبلع ألسنتنا وعقولنا هذه المرة.
طبعا، إعادة التموضعات، وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي للجماعات السياسية المختلفة شيء مفهوم، لكن السرعة التي يغير الحوثيون بها خطابهم، جعلتهم يظهرون بلا مصداقية سواء في خصوماتهم، أو تحالفاتهم، ذلك أنهم ينظرون للفرقاء السياسيين على أساس أنهم مجرد قطع شطرنج يحلو للحوثيين تحريكها والتخلص منها حسب المصلحة السياسية، وهذا يكشف مهانة هؤلاء الفرقاء السياسيين، وكذب الحوثيين على السواء.