باسم طارق جمال

الموهبة.. هل يمكن اكتسابها أم إنها هبة ربانية؟

السبت - 08 أكتوبر 2016

Sat - 08 Oct 2016

نظرية «إن الموهبة هبة ربانية يولد بها الإنسان» موجودة عبر القرون وعند كثير من الشعوب، وأيضا نظر لها الكثير حديثا ومنهم الكاتب «فرانسيس قالتون». كتابات قالتون كانت ترسخ فكرة أن المرء يولد بحدود معينة لا يستطيع تجاوزها، وأن هذا ينطبق على كل جوانب وقدرات الإنسان، جسمانية كانت أو عقلية، حتى إنه صرح أنه على الحكيم من البشر ألا يضيع وقته في تلك الجوانب التي «لم يولد بها»، وأن عليه أن يستسلم لقدره ويتوجه إلى مجال آخر. فالموهبة عنده هي هبة ربانية إما أنك ولدت بها أو لا، وإن لم تكن لديك لن تستطيع الوصول إليها.



مع أن نظرتنا إلى كثير من القوانين والنظريات التي طرحت في تلك القرون السابقة في الفلك والأحياء والرياضيات وغيرها من العلوم المختلفة تغيرت، إلا أن قبول هذه النظرية لا يزال قائما ومنتشرا. في حديثي مع مجموعات مختلفة من الزملاء والطلبة وجدت أن القناعة بأن الموهبة صفة وراثية وهبة ربانية يولد بها الإنسان لا تزال هي السائدة..



في كتاب «جيوف كولفن» الذي وصل إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة، Talent Is Overrated «الموهبة مبالغ في تقديرها»، قام المؤلف بتحليل ظاهرة «الموهبة» في كتاب مليء بالأمثلة والدلائل والتطبيقات التي توصل إلى الموهبة فيما يقارب مئتي صفحة. أنقل لكم هنا بعض ما فيها وملخصها هي أنه دحض نظرية قالتون من جذورها وأثبت أن الاعتقاد السائد بأن الموهبة صفة وراثية هو اعتقاد خاطئ ولا أصل له.

الموهبة والخبرة / الموهبة والذكاء

بدأ الكاتب بالبحث عن الرابط بين الموهبة وقدرات الشخص المختلفة مثل نسبة الذكاء والذاكرة ومستوى الخبرة وأيضا نظر وبحث في نظرية أن الموهبة وراثية.



من القناعات السائدة عن أسباب الوصول إلى مستوى الأداء العالي أو «الموهبة» في أي مجال هو عدد سنين العمل والخبرة. في الواقع أظهرت الكثير من الدراسات أن هذا غير صحيح في عدد كبير جدا من المجالات، ومن الأمثلة التي ساقها المؤلف دراسة أظهرت أن قدرة الجراحين على التنبؤ بعدد الأيام التي سيقضيها المريض بالمستشفى للحالات المختلفة لا يختلف عن قدرة متدربي الجراحة على التنبؤ بها بنفس المستوى من الدقة. فالذي أظهرته الدراسات أن الذين يقضون وقتا أطول في أعمالهم ليسوا بالضرورة أفضل في أداء تلك الأعمال، بل وجدت الدراسات أنه في بعض الأحيان قد يصبح أداء الأشخاص الأكثر خبرة أسوأ مع الوقت، وتلك الدراسات تشير إلى تلك الظاهرة بمصطلح «مصيدة الخبرة».



أيضا أظهرت الكثير من الدراسات التي أجريت على المتميزين في مجالاتهم «الموهوبين» أنه لم تكن لديهم أي علامة نبوغ في ذلك المجال قبل أن يبدؤوا خطوات جدية ومثابرة من التدريب الموجه للوصول إلى أهدافهم. (سيتم شرح مفهوم التدريب الموجه لاحقا). أحيانا تظهر بعض علامات النبوغ عند بعض الأشخاص ولكن في الغالبية العظمى لا أثر لها!. لم يظهر على هؤلاء المبدعين علامات مبكرة على وجود هبة ربانية، وهذه النتائج جاءت متكررة ومتشابهة عند النظر في المبدعين والموهوبين في مختلف المجالات. نظرية قالتون كانت تقتضي أن تظهر علامات هذا النبوغ مبكرا، فبعد أن يبدأ الطفل بالعزف على آلة موسيقية مثلا سيستطيع أن يتقن مهارات معينة على تلك الآلة في خلال أسبوع فيما يحتاج أقرانه ٦ أشهر للوصول إليها. ولكن هذه النتيجة لم تظهر أبدا في الأبحاث التي تمت على نطاق واسع من المجالات كما ذكرنا من رياضيين وموسيقيين وعلماء رياضيات وغيرهم. والملخص من هذه الدراسات ليس إنكار وجود الموهبة والقدرات المتفاوتة، ولكن أنه إن وجدت فهي في حد ذاتها لا تعني الكثير ولن تؤدي بالضرورة إلى الأداء العالي والمتميز.



من أمثلة الموهوبين التي ساقها المؤلف «مودزارت» و»تايقر وودز». الأول كونه أسطورة موسيقية والآخر كونه يشار إليه كمودزارت الجولف أو عبقري الجولف. في سرد قصة كل منهما لم تظهر على أي منهما أي علامة مبكرة تدل على ميول خاص تجاه المجال الذي أبدعوا فيه. الملفت في قصتيهما أن فيهما تشابها إلى حد كبير. كلاهما ولد لأب يعمل وبجد في المجال الذي أبدعا فيه وكلاهما عمل والده على تدريبه على ذلك المجال، وغرس حبه فيه من وقت مبكر جدا. هذا أعطاهما عدة مزايا: أولها الزمن.. فقد بدآ قبل أقرانهما بمراحل. ولكن كما ذكرنا آنفا إن عدد السنين في حد ذاته لا يكفي. ثانيا التدريب كان مقننا بهدف الوصول إلى مرحلة معينة وبأسلوب موجه ومحترف وتحت إشراف معلم. ثالثا وهو الأهم زرعا فيهما حب هذا المجال والرغبة الداخلية للتميز فيه.