الحرب تجعل العالم أفضل وأكثر أمنا وثراء

الكتاب: الحرب! بماذا تنفع؟ الصراع وتقدم الحضارات من القردة إلى الروبوت. War! What is it Good For? Conflict and the Progress of Civilization from Primates to Robots

الكتاب: الحرب! بماذا تنفع؟ الصراع وتقدم الحضارات من القردة إلى الروبوت. War! What is it Good For? Conflict and the Progress of Civilization from Primates to Robots

الاحد - 18 مايو 2014

Sun - 18 May 2014



كان نورمان أنجيل رئيس مكتب صحيفة «ديلي ميل» البريطانية في باريس عام 1910، وكان شخصية صحفية مرموقة ومحللا سياسيا بارعا، ومع ذلك فوجئ بالنجاح الهائل الذي حققه كتابه «الوهم الكبير»، الذي أعلن فيه أن عصر الحرب قد ولى إلى غير رجعة.

نورمان أنجيل قال حينها بثقة: لقد مضى عهد التقدم بالقوة، من الآن فصاعدا سيكون التقدم بالأفكار أو لا يكون مطلقا.

لقي كتاب نورمان إنجيل استحسان كثير من المحللين والسياسيين في ذلك الوقت.

لكن السياسيين الذين كانوا يثنون على كتابه أنفسهم، أشعلوا الحرب العالمية الأولى بعد 4 سنوات على نشر الكتاب فقط، وبحلول 1918، كانت الحرب قد حصدت 15 مليون قتيل.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945، كان عدد ضحايا الحرب قد تجاوز 100 مليون شخص وبدأ سباق التسلح النووي.

في 1983، ذكر تقرير المناورات الحربية في الولايات المتحدة أن نشوب حرب شاملة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي سيؤدي إلى مقتل مليار شخص تقريبا – في ذلك الوقت، كان ذلك يعني مقتل 20 % من البشر- خلال الأسابيع القليلة الأولى من الحرب.



حياة أفضل



وبعد مرور قرن على الحرب العالمية الأولى، ها هي الحرب الأهلية تستعر في سوريا، فيما يزداد الوضع سوءا في أوكرانيا يوما بعد يوم، منذرا باحتمال نشوب صراع هناك، أما الحرب على الإرهاب فلا يبدو أن لها نهاية.

إذا لا شك في أن الحرب جحيم، ولكن هل فكرنا يوما بالبدائل عن الحرب؟ عندما ننظر إلى الحروب على مدى فترة طويلة من الزمن في تاريخ البشرية، يبدو واضحا أن الإنسان استطاع على مدى 15 ألف عام من الصراع أن يؤسس مجتمعات أكبر وأكثر تنظيما بحيث أصبح احتمال ارتكاب أعمال عنف داخل هذه المجتمعات أقل من السابق.

كما استطاع الإنسان في المجتمعات الكبيرة والقوية والأكثر تنظيما أن يعيش بمستوى حياة أفضل ويحقق نموا اقتصاديا حقيقيا.



منافع الحرب



وقد ناقش المفكرون كثيرا قضية العلاقة بين السلام والحرب والقوة، وبشكل عام، كان الإنسان في العصر الحجري لا يواجه كثيرا من العوائق إذا أراد حل مشكلة ما باستخدام العنف، لكن القتل كان يحدث على مستويات صغيرة، عمليات ثأر وغزو، لأن الأسلحة المتوفرة لم تكن صالحة للقتل الجماعي.

ومن ناحية ثانية، منذ نحو 15 ألف عام، كان عدد سكان الأرض لا يتجاوز 6 ملايين نسمة.

لكن متوسط حياة الفرد في ذلك الوقت لم يكن يتجاوز 30 عاما، وكان الفرد يعيش على متوسط دخل يعادل في هذا العصر دولارين يوميا.

أما الآن، فقد وصل عدد سكان الأرض إلى نحو 7 مليارات نسمة، ومتوسط عمر الفرد أصبح أكثر من ضعف متوسط العمر منذ 1500 سنة «متوسط عمر الفرد حاليا 67 سنة»، ومتوسط دخل الفرد حاليا يبلغ 25 دولار يوميا.

وهذا التطور تحقق، في رأي الكاتب إيان موريس في كتابه «الحرب بماذا تنفع»، لأن الذين كانوا ينتصرون في الحروب منذ 15 ألف عام كانوا يضمون المجتمعات المهزومة وتشكل مجتمعات أكبر، تماما كما شهد التاريخ ما حدث في عهد الامبراطورية الرومانية على سبيل المثال.



أكثر أمنا



وعلى الرغم من أن الحروب تنشر الدمار والموت، إلا أنها كانت الوسيلة الوحيدة لخلق مجتمعات أكبر وأكثر أمنا وسلاما.

هل كان مثلا، قيام الامبراطورية الرومانية ممكنا دون قتل ملايين الناس؟ وهل كان يمكن بناء الولايات المتحدة الأمريكية دون قتل ملايين الهنود الحمر؟ هل كان يمكن التوصل إلى النتيجة نفسها من خلال المفاوضات والمناقشات بدلا من الحروب؟ الإجابة تبدو طبعا واضحة بالنفي.

الناس لا يتخلون عن ممتلكاتهم وحرياتهم إلا إذا أجبروا على ذلك، والقوة الوحيدة التي تستطيع أن تحقق ذلك كانت الانتصار في الحرب.



اختراع البارود



وكذلك فإن عملية التحول إلى الحضارة لم تكن متساوية أيضا، كانت أعمال العنف تزيد وتنخفض، نظرية نشوء مجتمعات أكبر على أنقاض الحروب لم تكن دائما صحيحة في كثير من الأحيان، كانت الجيوش تغزو أحيانا مجتمعات كبيرة وتقسمها إلى مجتمعات أصغر – وهذا ما حدث أكثر من مرة في مناطق كثيرة من الصين إلى أوروبا.

لكن عملية نشوء المجتمعات الكبيرة بدأت بشكل أكثر ثباتا في القرن السابع عشر، عندما وفر اختراع البارود حماية كافية للدول المستقرة في وجه جيوش الخيالة الغازية.



تصدير العنف



ومع اختراع البنادق وبناء أساطيل بحرية قوية، صدرت أوربا العنف بكميات غير مسبوقة إلى شتى أنحاء العالم، كانت النتائج فظيعة، لكن الأوربيين استطاعوا بناء أكبر مجتمعات في تاريخ البشرية، وانخفض معدل الموت بسبب أعمال العنف إلى مستويات قياسية.

وبحلول القرن الثامن عشر، كانت المستعمرات الأوربية تمتد عبر المحيطات.



الإمبراطورية الأمريكية



في العصر الحديث، استطاعت «الإمبراطورية» الأمريكية أن تحقق توسعا كبيرا في مجال التجارة وأن تردع الدول الأخرى عن خوض حروب يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار النظام العالمي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض معدل الموت بسبب العنف إلى مستويات أقل.





الكتاب: الحرب! بماذا تنفع؟ الصراع وتقدم الحضارات من القردة إلى الروبوت.



War! What is it Good For? Conflict and the Progress of Civilization from Primates to Robots



الكاتب: إيان موريس Ian Morris



الناشر: فرار، ستراوس، آند جيروكس، 2014





تناقض الحدس والمنطق الفطري



كتاب «الحرب! بماذا تنفع؟» يعد أحد أهم الكتب التي تتناول ظاهرة الحرب في التاريخ، والتي بدأت مع بداية خلق الإنسان الأول.

هذا الكتاب، كغيره من الأعمال المهمة، مثير للجدل لأنه يطرح فكرة تناقض الحدس والمنطق الفطري، لكن الكاتب سرعان ما يثري دراسته ووجهات نظره بأمثلة ووثائق كثيرة تجعل القارئ يعيد النظر في معتقداته السابقة حول الحرب.

إيان موريس هو أستاذ في التاريخ في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، وقد أثبت من خلال هذا الكتاب أنه يستحق أن يكون من بين أبرز المتخصصين في هذا المجال.



أكثر ثراء



من البديهي القول إن الحروب سيئة لأنها تضيع كثيرا من الأرواح والموارد الطبيعية وتترك العالم غالبا في وضع أسوأ عندما تنتهي مباشرة.

وقد نعتقد للوهلة الأولى أن الحروب لا فائدة لها سوى الدمار والموت، لكن التاريخ وعلوم الآثار والأحياء تبين أن الحرب في واقع الأمر كانت جيدة في بعض جوانبها.

قد يبدو الأمر مفاجئا لكثيرين، لكن الحرب جعلت البشرية أكثر أمنا وثراء.

كيف؟في كتاب «الحرب! بماذا تنفع؟» يتحدث المؤرخ وعالم الآثار المعروف إيان موريس عن قصة 15 سنة من الحروب البشعة.

الكاتب لا يقتصر في حديثه على الحروب فقط، بل يتجاوز المعارك ووحشيتها ليكشف ما فعلته الحرب في حقيقة الأمر بهذا العالم ولأجله.



حقيقة مختلفة



عاش الناس في العصر الحجري في كهوف وفي مجتمعات صغيرة، ومع ذلك فقد كان احتمال تعرضه للموت في ساحات القتال يصل إلى 20 % تقريبا، أي أن شخصا من بين كل خمسة أشخاص كان يموت نتيجة أعمال عنف في ذلك العصر.

وقد يتوقع المرء أن هذا الاحتمال يجب أن يكون أعلى بكثير بسبب تطور الأسلحة واختراع واستخدام الأسلحة الذرية ووجود أسلحة فتاكة أخرى حاليا في حوزة البشر.

لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما.

ففي القرن العشرين، وبالرغم من أن العالم شهد حربين عالميتين واستخدام قنبلتين ذريتين في هيروشيما وناجازاكي، إلا أن نسبة الأشخاص الذين ماتوا بسبب أعمال عنف لم تتعد 1 %.



مفارقات التاريخ



أما السبب، فيقول الكاتب إن الحرب، والحرب وحدها، هي التي أدت إلى خلق مجتمعات أكبر وأكثر تعقيدا، تخضع لحكومات استطاعت أن تقضي على أعمال العنف الداخلية.

وبحسب منطق الكاتب، فإن القتل الناتج عن الحروب هو الذي أدى إلى خلق مجتمعات كبيرة، وهذه المجتمعات هي التي جعلت الحياة أكثر أمنا، بعبارة أخرى: القتل جعل العالم أكثر أمانا! وهذا الأمان سمح للناس أن يستقروا ويبدعوا ويصبحوا بالتالي أكثر ثراء.

لقد أثبتت الحرب أنها أكبر مفارقات التاريخ، لكن هذه الدراسة لخمسة عشر ألف سنة من العنف تبين أن نصف القرن القادم سيكون الأكثر خطورة في تاريخ البشرية.

لكن إيان موريس يؤكد أننا إذا فهمنا مدى الفائدة التي حصلت عليها البشرية من الحرب فإننا يمكن أن نفهم إلى أين ستقودنا في المستقبل.



الحرب المنتجة



يتوسع موريس في كتابه الذي يضم خمسة فصول في شرح نظريته ويقتفي أثر أساليب القتال التي اتبعها الإنسان منذ ما قبل التاريخ وحتى نهاية الحرب الباردة في أواخر القرن العشرين.

وهو يستخدم مصطلحات جريئة وغير مألوفة في هذا السياق، مثل مصطلح «الحرب المنتجة»، ويقدم سلسلة من القصص القصيرة المختلفة لشرح وإثبات الجوانب المختلفة لنظريته.

ولا يقتصر الكاتب في دراسته على إلقاء الضوء على مجتمع غربي محدد بل يجري دراسات للمقارنة بين المجتمعات في هذا الإطار.