الصومال بلا القاعدة .. كرة قدم وسلة وعصرانية

تعج محطة باصات تتجه من مقديشو إلى مدينة بولو بوردي في إقليم هيران وسط الصومال، بعشرات من الحافلات خلافا لما كانت عليه قبل فترة قصيرة، فسكان المدينة يحاولون استعادة الحياة التي افتقدوها عائدين إلى منازلهم التي نزحوا منها قبل نحو ستة أعوام أثناء سيطرة مليشيات "حركة الشباب" الموالية لتنظيم القاعدة على المنطقة التي حررتها أخيرا القوات الحكومية الصومالية بمساعدة من القوات الأفريقية

تعج محطة باصات تتجه من مقديشو إلى مدينة بولو بوردي في إقليم هيران وسط الصومال، بعشرات من الحافلات خلافا لما كانت عليه قبل فترة قصيرة، فسكان المدينة يحاولون استعادة الحياة التي افتقدوها عائدين إلى منازلهم التي نزحوا منها قبل نحو ستة أعوام أثناء سيطرة مليشيات "حركة الشباب" الموالية لتنظيم القاعدة على المنطقة التي حررتها أخيرا القوات الحكومية الصومالية بمساعدة من القوات الأفريقية

الأربعاء - 14 مايو 2014

Wed - 14 May 2014



تعج محطة باصات تتجه من مقديشو إلى مدينة بولو بوردي في إقليم هيران وسط الصومال، بعشرات من الحافلات خلافا لما كانت عليه قبل فترة قصيرة، فسكان المدينة يحاولون استعادة الحياة التي افتقدوها عائدين إلى منازلهم التي نزحوا منها قبل نحو ستة أعوام أثناء سيطرة مليشيات "حركة الشباب" الموالية لتنظيم القاعدة على المنطقة التي حررتها أخيرا القوات الحكومية الصومالية بمساعدة من القوات الأفريقية.

استقلت "مكة" إحدى الحافلات من محطة في شمال مقديشو الثامنة صباحا، أبلغ جميع المسافرين بأن عليهم التأكد من ترك كل بطاقات العمل والبطاقات الحكومية والصحفية، تحسبا من أي هجوم أو كمين تنفذه عصابات تابعة لـ "حركة الشباب" في الطريق، إذ غالبا ما يفتش المعتدون الحافلات بحثا عن موظفين حكوميين أو إعلاميين أو موظفي منظمات إغاثية، كما يتم التأكد من اللباس والحذاء، وللنساء شأن خاص في متابعة ملابسهن ومكياجهن لئلا يتعرضن لأذى من الجماعات المتشددة.



رحلة طويلة



وعلى الرغم من قصر المسافة بين مقديشو وبولو بوردي التي تقدر بنحو 220 كلم، إلا أن الوصول إليها يستغرق أكثر من 16 ساعة بسبب وعورة الطريق الذي لم يرمم منذ أكثر من عقدين، كما هناك نقاط تفتيش كثيرة للقوات المسلحة الصومالية والقوات الأفريقية لحفظ السلام، التي لا تزال تعمل على تنظيف المنطقة وتأمين الطريق الواصل بين العاصمة والأقاليم الوسطى حيث سيطرت على 9 مدن استراتيجية في الجنوب والوسط، كانت تتمركز فيها عناصر "القاعدة" لمدة تزيد عن 5 سنوات في عمليات خاصة، خلال مارس وأبريل الماضيين لترى النور وتتحرر.



تغير جذري



المناظر تغيرت بشكل جدري، وبدت آثار الحرب على معظم القرى والمنازل المتناثرة هنا وهناك، وبدا كثير منها مهجورا وموحشا بعدما رحل المزارعون والرعاة إلى مناطق أخرى.

وتزامن وصولنا إلى المنطقة مع هجوم دموي لـ "حركة الشباب" على القوات الجيبوتية المنضوية تحت القوات الأفريقية، أدى إلى مقتل 17 جنديا.

وتقع بولو بوردي شمال مقديشو، وهي وسط الطريق الرئيسي الرابط بين الشمال والجنوب.

وبسبب موقعها الاستراتيجي، استقطبت مئات من قادة "القاعدة" في الصومال لتصبح مسرحا لمعركة قتل فيها العشرات في حرب واسعة كان بطلها القوات المسلحة الصومالية والقوات الجيبوتية من ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي للصومال.



نسيم الحرية



ولم تتضرر المدينة بالحروب الأهلية التي مرت بها البلاد خلال العقدين الماضيين، أكثر مما عانت خلال حقبة الحركات الإرهابية التي تقودها "القاعدة" وذاق أهالي المدينة مرارة الحكم الدكتاتوري الذي كانت تطبقه "حركة الشباب" على جميع المناطق التي تسيطر عليها.

وبعد شهر ونصف الشهر من طرد مليشيات "القاعدة" من المدينة، تنشق سكانها المقدر عددهم بـ80 ألفا من المزارعين، نسيم الحرية وبدأت حياتهم تعود تدريجيا، لكن حديثهم عن سنوات مضت يجعل الأمر غير قابل للنسيان، ويتذكرون كلما أرادوا النسيان.



حلق اللحى



ومن إشارات التغير البادية على سكان أن لحاهم محلوقة وذلك كأول رد فعل على ما فرضته عليه "حركة الشباب" من إجبارهم على ترك اللحية مما أثر في الشبان بشكل خاص والرجال بشكل عام، وكانت الحركة تراقب الجميع وتعاقب كل من حلق أو قصر لحيته بالسجن والجلد أمام الجمهور.

وفور وصول قوات التحالف إلى المدينة، تغير مظهر أغلب شبان المدينة حيث توجهوا إلى مراكز الحلاقة لحلق لحاهم.

ويقول أحمد بروو: الناس مختلفون في المظهر وهذه حكمة إلهية، لكن رجال القاعدة أرادوا غير ذلك وحاولوا جعل الجميع ذوي لحية كبيرة ولم يكن بإمكانك أن تفرق بين شيخ وشاب، وفور تحرر المدينة أول ما فعله الشباب كان حلق لحاهم وتبديل ملابسهم، إذ كانت تفرض الحركة أيضا، على الناس أن يرتدوا الجلابية الباكستانية تقليدا لحركة طالبان في أفغانستان وباكستان، وهو الزي الشبه الرسمي لحركة الشباب في الصومال.



ملابس باكستانية



وتابع: لقي عشرات من شبان المدينة حتفهم بسبب عدم انصياعهم لأوامر الحركة ورفضهم إطلاق اللحية وتغيير الملابس الشبابية كالسروال والقمصان القصيرة، ولم تتردد عناصر الحركة بإطلاق الرصاص على كل من لم يطع الأوامر مهما كانت صغيرة، بينما مئات من سكان المنطقة هجروا إلى المدن التي تسيطرها القوات الحكومية بحثا عن حرية في حياتهم الاجتماعية.

وأشار بروو إلى أن الحياة تعود تدريجيا للمدينة رغم حظر التجوال المفروض على المنطقة أثناء الليل، ويمكنك في الوقت الحالي أن تلعب الكرة أو تذهب إلى المقاهي وتدخن الشيشة وتأخذ وقتا ممتعا مع الأصدقاء وكل ما حرمت منه إبان حكم الحركة، ويعتقد بروو أن الخطر من الجماعات الإرهابية لا يزال موجودا، ولها قدرة على تنفيذ بعض الهجمات كما يحدث في مقديشو والمدن الكبرى في البلاد.



عودة المساعدات



ومن الأمور التي عادت إلى المدينة أيضا وكانت محظورة أيام "حركة الشباب"، المساعدات الإنسانية التي كانت تقدمها منظمات الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة المحلية والإقليمية والعالمية بما فيها المنظمات الإسلامية إلى المنكوبين بسبب الجفاف، مما أدى إلى مقتل وتهجير آلاف من أهالي مدينة بولو بوردي.

وتقول منسقة الشؤون الإنسانية لهيئة الدرء الكوارث الصومالية فاطمة جاج أحمد إن تحرير المدينة جاء في وقت مناسب جدا، لأن حدة الجفاف وصلت إلى ذروتها بعد تأخر الأمطار رغم وصول موسمها، وكانت مئات من الأسر في بولو بوردي والقرى المحيطة بها على وشك النزوح لأنه لم يعد عندهم أي أمل لعودة الزراعة، ولحسن الحظ وصلت القوات الحكومية وأتت معها المساعدات.

وأضافت: المتمردون كانوا فرضوا على المدينة والإقليم بشكل عام، حصارا من جميع الجوانب ثقافيا وإنسانيا وسياسيا حتى أصبحت بولو بوردي في عزلة تامة عن البلاد والعالم.

وأشارت أحمد التي اتخذت مقرا لها في المدينة، إلى أن المساعدات التي وصلت حتي الآن إلى السكان المحتاجين غير كافية ولا تسد 10% من حاجة الغذاء والدواء التي يحتاج إليها المنكوبون، مناشدة المنظمات العربية والإسلامية والدولية تسريع جهودها لمساعدة المتضررين في المناطق المحررة لتفادي كارثة إنسانية قد تحصل إذا تأخرت المساعدات واستمر الجفاف.



10 ملايين دولار



وفي هذا السياق، أعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة في بناء السلام جودي شنغ هوبكنز عن 10 ملايين دولار لبناء السلام في المناطق المحررة، وذلك في زيارة له إلى البلاد استغرقت خمسة أيام.

وقال هوبكنز في بيان صحفي: ستنفق 10 ملايين دولار من ضمن صندوق بناء السلام في الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار والسلام في المناطق المحرر بجنوب ووسط الصومال، وهي في حاجة ماسة إلى مشاريع تنموية صغيرة للشباب والنساء وتوفير فرص عمل للعائدين إلى مناطقهم.

وتتم هذه المشاريع عبر منظمات مدنية وإنسانية تعمل مع صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، لتصل إلى القرى النائية التي تضرر بسبب الأفكار المتشدد التي نشرها تنظيم القاعدة في هذه المناطق.





وشيوخ القبائل يستعيدون أدوارهم



كان تهميش شيوخ العشائر وقمعهم من الأساليب المشهورة لـ "حركة الشباب" في المناطق التي تسيطرعليها في الصومال، لتبعث رسالة إلى جميع أفراد القبائل عبر تعرضها للشيوخ بالتعذيب والسجن والتهديد والتهجير في بعض الأحيان، حتى اختفى دورهم وحل محلهم الغرباء وسيطروا على كل شيء في منطقتهم، بدءا من حل المشاكل وجمع الأموال وغيرها.

وقال عبدالله واسغي حاجي، أحد شيوخ العشائر في إقليم هيران: من سمة الجماعات الإرهابية محاربة العادات والتقاليد للشعوب واستهداف رموزها لئلا يكون في المجتمع شخص يفهم ما يريدونه، وكيلا يحصل توافق بين العشائر عبر تطبيق نظام فرّق تسد، لكن الوضع مختلف في الوقت الحالي حيث اتصل قائد القوات الجيبوتية قبل أن يدخلوا إلى المدينة وعقدنا لقاء مع الإدارة الانتقالية الجديدة للحكومة والقوات المسلحة الصومالية ناقشنا خلاله نظام الحكم وكيف نستطيع مساعدتهم.

ويعتقد حاجي أن دور شيوخ العشائر ضروري في الوقت الحالي لربط الحكومة مع شعبها، لكن التهميش والقيام بأمور عكسية تجعل الوضع أصعب ولا يوجد توافق بين العشائر والحكومة.

وقال: رغم طرد مليشيات القاعدة من المدينة لا يزالون يهددون زعماء القبائل برسائل نصية إلى هواتفهم ويطلبونهم بوقف التعاون مع الحكومة والقوات الجيبوتية الشقيقة لكن صرامة الشيوخ هذه المرة صلبة ولا يمكننا الانصياع لأي جهة إرهابية.





.. وكرة القدم تستعيد ألقها بعد الجلد



كل مساء يأتي إلى ملعب بولوبوردي المفتوح في شرق المدينة، مئات من الشبان لمشاهدة دوري محلي أقيم برعاية الإدارة الانتقالية للحكومة في المدينة يشارك فيه ستة فرق تم تأسيسها فور طرد مقاتلي حركة الشباب من المدينة في مارس الماضي، بينما تواصل الفرق الشعبية بجميع أعمارها تمارينها في معسكرات تقع في أطراف الملعب لتكون جاهزة في مشاركة الدوري المحلي المتوقع في يونيو المقبل.أشرف علي (17 من عمره) يروي قصة حبسه ثلاث مرات وجلده أكثر من عشر مرات من قبل المليشيات المتطرفة لحركة الشباب بعد أن قرر مواصلة لعب الكرة رغم إعلان حظرها في ديسمبر 2010.ويقول: في البداية لم نأخذ الأمر على محمل الجد لأنني لم أعتقد يوما أن شخصا ما سيستطيع إيقافي عن لعب الكرة.أميرهم أعلن بعد صلاة العصر أن زمن اللعب واللهو انتهى وكل من تجرأ على ذلك سيلقى عقابا..

وكالمعتاد ذهبنا إلى الملعب وبدأنا نلعب، لكنهم لم يتأخروا كثيرا ليتم نقل كل من كان في الملعب إلى مركز للشرطة لنقضي فترة أسبوع في المعتقل".

ويرى لاعب وسط فريق هرسيد أشرف علي أن الأنشطة الشبابية لم تعد بعد كما كانت منذ خمس سنوات قبل سيطرة حركة الشباب على مدينته، لكن الكرة على الأقل تعود تدريجيا إلى نصابها.وكان زميله في الفريق أحمد صلاد قد تعرض للضرب من قبل مليشيات القاعدة وكسرت قدمه اليمنى، ولا يستطيع حاليا ممارسة لعبة كرة القدم.





.. ونواعم مقديشو يتبارين بكرة السلة



افتتح الدوري الصومالي لكرة السلة للسيدات الأحد الماضي في مقديشو، بعد أن حظرته حركة الشباب لسنوات، الدوري الذي يحظى بشعبية هائلة من بين الدوريات المختلفة المحلية في المناطق الصومالية.

وتشارك في الدوري 8 فرق لكرة السلة النسائية تنتمي إلى المناطق التي تتكون منها العاصمة، تخوض سبع مباريات في استاد عبدالعزير بشمال العاصمة الصومالية، وسط حضور آلاف المشجعين. وترفع اللاعبات شعار «الرياضة لأجل السلام»، آملات بعودة السلام والاستقرار إلى جميع أنحاء البلاد وإنهاء إراقة الدماء.

وتقول فطمة عبدالحميد لاعبة فريق شبس، إنها كانت تتمرن سريا مع صديقاتها في بيت بشمال مقديشو في ساعات الليل لئلا يراهن أحد من عناصر حركة الشباب، وإن بعض صديقاتها اللائي يلعبن كرة السلة خالفن أوامر الحركة، ما عرضهن لتعذيب جسدي وتهديد بالقتل. وتضيف بعد مباريات الأحد: عدد قليل من اللاعبات قررن تحدي الإرهابيين وممارسة هواياتهن.. أقول لجميع الرياضيات الصوماليات لا أحد يستطيع قتلكن قبل أن يأتي أجلكن.. أنا أْؤمن بالله وأتوكل عليه، نرحب بكن.. انضممن إلينا.

وترسل مديرة فريق شبس ملكي طاهر رسائلها عبر الجمهور: أكثر من 120 لاعبة شابة ستشارك في الدوري ليقدمن رسائل محبة وسلام وليس لنا غاية أخرى.. لا يهمنا من سيفوز بالكأس لأن ما نريده هو أن يخرج الجميع من منازلهم لتصل رسائل المحبة.. لا أكثر».

ورغم انخفاض مستوى الخطر على اللاعبات الصوماليات من قبل تنظيم القاعدة، إلا أن التهديد لا يزال موجودا عبر مكالمات هاتفية ورسائل نصية من ميليشات تابعة لحركة الشباب تهددهن بالقتل في كل ساعة رسالة واحدة تقريبا ما يؤثر سلبا على الرياضة بشكل عام والنساء بشكل خاص، حسب ما صرحت به مدربة فريق شبس ملكي طاهر.

وكان فريق كرة السلة النسائية الصومالية شارك مؤخرا في دوري المنتخبات العربية لكرة سلة السيدات الذي استضافته الدوحة في منتصف العام الماضي، حيث كان معسكر المنتخب الصومالي في العاصمة الكينية نيروبي لأسباب تتعلق بسلامة اللاعبات من خطر الإرهاب الذي يحدق بالمنطقة ويستهدف الرياضيين وذوي الشهرة بشكل غير مسبوق.

وتشهد العاصمة الصومالية مقديشو تحسنا أمنيا منذ السنوات الثلاث الماضية، حيث بدأت الحياة العامة تعود تدريجيا إلى شوارع أخطر مدينة في العالم وعاد إليها مئات من المغتربين الصوماليين بعد غياب عقدين من الزمان.

واتخذت بلدية مقديشو الجهة المنظمة للمباريات، إجراءات احترازية لضمان سلامة المشجعين واللاعبات أثناء المباريات وبعدها.

وقال الناطق باسم بلدية مقديشو أحمد شوقي في مناسبة افتتاح الدوري: الإدارة المسؤولة عن تنظيم هذه المباريات أخذت في الحسبان أن هناك جماعات متشددة من تنظيم القاعدة لا تريد التقدم لهذه المدينة ولشعبها ولذا، وبدون شك تخطط بشكل أو بآخر على عرقلة سير الحياة الطبيعة في هذه المدينة، ولا نستبعد أن تهاجم ملاعب الكرة، وعلى هذا الأساس خصصنا وحدات خاصة من قوات الأمن لحراسة الميدان ومتابعة الوضع بشكل دقيق حتى لا يقع مكروه. وأشار شوقي إلى أن الإدارة تطمح إلى مزيد من التطورات في الوضع الأمني لتتمكن من تنظيم مباريات أخرى كالتنس وكرة اليد، لأن قدرات الحكومة الحالية لا تسمح بنظيم جميع الألعاب التي كانت موجودة قبل 20 عاما.. نحتاج لفترة قياسية لاستعادة قدراتنا، البلد انهار بشكل لا يصدق ولا يمكن أن ينهض بسرعة.