الغذامي ليس واعظاً!

لم يكن مغزى التحليل لما يشيع في خطاب تويتر في مقالة الدكتور عبدالله الغذامي المنشورة هنا الخميس الماضي، الموعظة للشخصيتين اللتين ذكرهما ولا النصح لهما لأن هذا أقل من هدف المقالة إلى نقد الخطاب

لم يكن مغزى التحليل لما يشيع في خطاب تويتر في مقالة الدكتور عبدالله الغذامي المنشورة هنا الخميس الماضي، الموعظة للشخصيتين اللتين ذكرهما ولا النصح لهما لأن هذا أقل من هدف المقالة إلى نقد الخطاب

الأربعاء - 07 مايو 2014

Wed - 07 May 2014



لم يكن مغزى التحليل لما يشيع في خطاب تويتر في مقالة الدكتور عبدالله الغذامي المنشورة هنا الخميس الماضي، الموعظة للشخصيتين اللتين ذكرهما ولا النصح لهما لأن هذا أقل من هدف المقالة إلى نقد الخطاب، فضلاً عن أن القصد إلى الفرد يتناقض مع المفهوم النقدي للخطاب بوصفه لغة اجتماعية لا فردية، والشخصية الفردية –عندئذ- وأقوالها، صنيعة الخطاب لا العكس، فقد تتغير هذه الشخصية وقد تموت، لكن الخطاب يستمر وينتج من يمثله من الأفراد ويتبادل معهم القيمة والتفاعل. ولذلك فإن اتعاظ الفرد وانتصاحه –في هذه الحالة- لا يؤثر على الخطاب طالما بقيت بنيته متماسكة في أذهان أتباعه، بل سيغدو هذا الاتعاظ ارتكاساً وانحرافاً وضلالاً ومروقاً وغسيلاً للدماغ وغزواً فكرياً... إلخ من منظور دفاع الخطاب –أي خطاب- عن نفسه، ضد من يتمرد عليه.

لقد اختارت مقالة الغذامي الشخصيتين المذكورتين فيها –من شخصيات عديدة- بوصفهما علامتين على ما يشيع في الخطاب السعودي في تويتر من لغة إيديولوجية تقصي غيرها وتنتقصه وتسجنه في قفص أوصافها له، مخيلة أنها وحدها من يملك الصواب ويقول الحقيقة ويضطلع ببطولة في الذود عن المعاني السامية للدين والوطن والأخلاق الفاضلة. وقد استحالت هذه المعاني السامية -وفق رؤيتها- إلى مقصد للتدمير والتشويه من قبل خصمها الذي لم يعد يشاركها في قليل ولا كثير منها.

لكن هذه الدعوى لم تبرأ في الخطاب المدعي لها نفسه، من الإساءة إلى الدين والوطن والأخلاق والكرامة الإنسانية، من حيث لم يحتسب. لأنه كان يصنع تلك المعاني على مقاسه ويرصدها من زاوية محدودة أيديولوجياً واجتماعياً. وكان الدليل النصي الذي وقف عليه الغذامي من تغريداتهما حاسماً في الشهادة على المحدودية والضيق في الرؤية لتلك المعاني التي ليس لهما احتكارها، وعلى حفول لغتهما بما يبرأ منه الدين والأخلاق والوطنية من التوحش والطعن ومس العرض والكرامة...

هكذا يتم تفكيك الخطاب بإثبات تناقضه والتدليل –من نصوصه المعبرة عنه- على تضمن دعواه ما هو بالضد من موضوعها. وهنا تحديداً تتكشف أهمية مقالة الغذامي وقيمتها، وهي أهمية المنهج الذي تحيل عليه والرؤية التي تصدر عنها. فليس للوقوف عند دلالة هذه التغريدة أو تلك وليس لوصف هذا المغرد أو ذاك قيمة أو أهمية محدودتان بحدود الشخص الفرد ذماً له أو مدحاً، ووعظاً له أو مباركة. لكن هذا لا يعني أن نقد الخطاب لا يؤدي إلى نتيجة، أو أنه بلا هدف وبلا قيمة خارج حسابات العلاقة مع الأفراد؛ كلا! فكلما كشف النقد عن تحيز الخطابات، وقام بتفكيك ما تنطوي عليه من محدودية الأيديولوجيا وانبنائها في ظروف محددة ومعقدة وفي مدار من التدافع والتلاعب بين الخطابات، فإنه يصنع وعياً بها، ويثري رؤيتنا بالتعدد، فلا تستفرد بالمجتمع ولا تلغيه.

الغذامي ما زال –من جراء ذلك- في مرمى السهام، لكنه يحيلها ببراعته إلى أقلام توقع شهادتها على صدقه!