جعل الأمور أكثر سوءا في الشرق الأوسط

على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح الشرق الأوسط أكثر عنفاً مما كان عليه. العراق عاد ليكون موطناً لإحدى أكثر الحروب الأهلية دموية في العالم، بعد سورية بالطبع، التي تعتبر الأسوأ.
على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح الشرق الأوسط أكثر عنفاً مما كان عليه. العراق عاد ليكون موطناً لإحدى أكثر الحروب الأهلية دموية في العالم، بعد سورية بالطبع، التي تعتبر الأسوأ.

السبت - 18 يناير 2014

Sat - 18 Jan 2014


على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح الشرق الأوسط أكثر عنفاً مما كان عليه. العراق عاد ليكون موطناً لإحدى أكثر الحروب الأهلية دموية في العالم، بعد سورية بالطبع، التي تعتبر الأسوأ. كثيرون في أمريكا مقتنعون أنه خطأ بلادهم، أو على الأقل، مقاربة إدارة أوباما «السلبية» تجاه المنطقة سمحت لعدم الاستقرار بالتصاعد. في الواقع، آخر ما تحتاجه المنطقة هو مزيد من التدخل الأمريكي.

الشرق الأوسط يمر بصراع طائفي، مثل الذي حدث في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت في عصر حركة الإصلاح الديني. هذه التوترات عميقة في التاريخ والسياسة ولن تختفي بسهولة.

هناك ثلاثة عوامل قادتنا إلى هذه الحالة. أولاً: تركيبة دول الشرق الأوسط. الشرق الأوسط الحديث أسسته القوى الاستعمارية في نهاية الحرب العالمية الأولى. الدول التي أوجدتها بريطانيا وفرنسا كانت تتألف من جماعات متفرقة ليس لديها تاريخ بالخضوع لحكم كيان واحد. العراق، على سبيل المثال، تشكل من خلال دمج ثلاث ولايات عثمانية لم تكن بينها قواسم مشتركة كثيرة.

القوى الاستعمارية كانت عادة تختار حكاما من الأقليات. كانت تلك استراتيجية ماكرة. نظام الأقلية يحتاج دائما إلى قوة خارجية كي يستطيع الحكم. وهكذا، عندما واجه الفرنسيون في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين ثورة وطنية في سورية، قاموا بتجنيد أعداد كبيرة من العلويين الذين كانوا مضطهدين في تلك الفترة، واستطاع العلويون أن يهيمنوا على الجيش، وخاصة سلك الضباط في الجيش السوري.

العامل الثاني هو بروز موجة الأصولية الإسلامية لأسباب متعددة، منها فقدان الجمهوريات العلمانية التي قامت على النموذج الغربي مصداقيتها وتحولها إلى دكتاتوريات عسكرية. الجمهوريات الأهم في الشرق الأوسط –مثل مصر في عهد عبدالناصر- لم تكن طائفية؛ بل كانت تؤكد هويتها العلمانية. ولكن مع مرور الوقت، ومع فشل هذه الأنظمة، بدأت تعتمد بشكل متزايد على القبائل الموالية لها، ومن ثم تحولت إلى الطائفية شيئا فشيئا. الطائفية الجديدة كانت غالبا تعزز أنماطا موجودة من الهيمنة. عندما يسافر المرء إلى الشرق الأوسط، يسمع غالبا أن هذه الخلافات بين السنة والشيعة هي بدع جديدة وأن الناس كانوا يعيشون بسعادة مع بعضهم في الماضي. هذه الملاحظات تصدر غالبا عن السنة، الذين كانوا يفترضون أن إخوتهم الشيعة، الذين كانوا نادرا ما يظهرون أنهم يتكلمون في ممرات السلطة، كانوا راضين تماما عن كونهم مرؤوسين في الدولة.

العامل الثالث يتعلق بواشنطن بشكل كبير: غزو العراق. قرار الرئيس جورج بوش الإطاحة بصدام حسين لعب الدور الأكبر في تسريع الصراعات الطائفية في الشرق الأوسط، حيث عمل الاحتلال الأمريكي على تفكيك التركيبة التي كان السنة يسيطرون من خلالها على السلطة وسلم السلطة إلى الأحزاب الدينية الشيعية.

كانت واشنطن في تلك الفترة منهمكة في فكرة تحويل الشرق الأوسط ولم تنتبه كثيرا إلى الأبعاد الطائفية لما تقوم بإطلاقه. التقيت مع رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي في 2005 عندما لم يكن يتولى أي منصب. وصفته في تلك الفترة بأنه «شيعي متشدد، متصلب في وجهات نظره الدينية ويتبنى فكرة معاقبة السنة. لم يبد لي أنه رجل يريد المصالحة الوطنية». كان واضحا أيضا أنه، لكونه عاش في المنفى في إيران وسورية لمدة عقدين تقريبا، أن المالكي قريب من كلا النظامين، اللذين قدما له ولزملائه الملاذ الآمن. لكن مسؤولين في إدارة بوش رفضوا هذه المخاوف وقالوا لي إن المالكي يؤمن بالديمقراطية والتعددية.

نتائج هذه السياسات تبدو واضحة الآن. مضى الشيعة قدما في اضطهاد السنة في العراق -ظاهريا- بمباركة أمريكية. أكثر من مليوني عراقي -معظمهم من السنة والمسيحيين- هربوا من البلد، ولم يعودوا مطلقا. الأقلية السنية في العراق، الذين كانوا لا يزالون يحملون أوهاما بخصوص استعادة السلطة، بدؤوا بالقتال كمقاومة وأصبحوا بعد ذلك أكثر تشددا. هذه القبائل العراقية جميعها تربطها علاقة دم مع القبائل السنية في سورية، والسوريون السنة أصبحوا أكثر عنفا وهم يراقبون الحرب الأهلية في العراق.

فيما اشتعلت أعمال العنف مرة أخرى في العراق، برزت جماعة من المسؤولين في إدارة بوش لتقول إن أمريكا لو كانت أكثر حيوية في تدخلها في العراق، ولو أنها أرسلت بعض القوات العسكرية الأمريكية إلى هناك، وقاتلت السنة وفي الوقت نفسه مارست ضغوطا أكبر على المالكي، لاختلفت الأمور كثيرا. لكن هذا المنظور يسيء فهم الطبيعة العميقة للصراع في الشرق الأوسط. إن جولة أخرى من التدخل الأمريكي، في صراع ديني وسياسي معقد، سيضيف الوقود إلى النيران في الشرق الأوسط.