حامد محمد الهرساني

عقوبة المماطل في أداء الحقوق

السبت - 24 سبتمبر 2016

Sat - 24 Sep 2016

لا بد أن تكون تكلفة وتبعة التقاضي على المماطلين أثقل من تبعة تسوية النزاع قبل التقاضي، وتحميل الطرف الثابت مماطلته أعباء التقاضي من الطرق الفعالة في ردع الناس عن المماطلة في إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم، فأصبحت المحاكم – في كثير من الأحيان – مسارح لشراء الوقت والإمعان في المماطلة بحجج مختلفة.



وحق المماطل العقوبة والردع، ولا يكفي في ذلك أن يُحكم عليه بالمبلغ الذي في ذمته أصلاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته»، قال ابن المبارك: «يحل عرضه: يغلظ له، وعقوبته: يحبس له»، فلو لم يحكم على المماطل إلا بالحق المدعى به، لرأى المماطل مصلحة في المماطلة، فللوقت قيمة، ولبقاء السيولة مع المماطل لهذا الوقت قيمة ونماء، ويقابل ذلك الضرر الواقع على أصحاب الحقوق، فبعض الحقوق المتأخرة تكون هي الفارق بين استمرار شركة أو إفلاسها.



وقد تطرقت بعض الأنظمة لمسألة تحميل الطرف الخاسر أتعاب المحاماة، فقد نصت المادة (227) من نظام العمل على التالي: (يجوز للهيئة «العمالية» أن تحكم على من خسر الدعوى بأن يدفع إلى الطرف الآخر كل ما تكبده من نفقات أو بعضه).



ونصت المادة (3/5) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات على حالات ضيقة لتعويض المتضرر من الدعاوى الكيدية والصورية إذا ارتأت الدائرة القضائية أحقية طلب المتضرر بذلك، غير أن المحاكم العامة تحكم – في بعض الأحيان – بإلزام الطرف الخاسر في الدعوى بدفع أتعاب محاماة الطرف الآخر، أو جزء منها.



وتعمل المحاكم في بعض الدول الغربية بعد إصدار حكمها في قضية ما على فتح باب المرافعة حول الحكم بالأتعاب، وتحكم في الغالب بتحميل الطرف الخاسر جزءاً من الأتعاب يتفاوت بتفاوت درجة اللوم الواقعة عليه في المقام الأول.



لا ينحصر دور المحاكم في رد الحقوق، وإن كان ذلك من أجل وأسمى أدوارها، دور المحاكم يتمثل أيضاً في زجر المماطل والظالم عن العودة إلى فعله، وردع غيره أيضاً، وإلا لفاضت أروقة المحاكم بأقضية متماثلة ومشابهة، لعدم خشية المماطل لتبعات مماطلته، فالمال لا ينمو دون الوقت، والوقت من أكبر ما ينتفع به صاحب المال، فإبقاء صاحب الحق دون ماله لوقت طويل يفوت عليه الفرص، كما أنه يمنح الفرص لمن في يده المال والسيولة، ومن أخذ ذلك في عين الاعتبار علم سبب أحقية المماطل بالعقوبة والزجر، وذلك لاستغلاله لمال غيره، وتفويته على صاحب الحق الفرصة في تنمية ماله.