الحوار الوطني وخلق التسامح

الجمعة - 23 سبتمبر 2016

Fri - 23 Sep 2016

القيم والأخلاق هي عماد الأمم، وكما قال أحمد شوقي:



وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا



ومن أبرز هذه الأخلاق خلق التسامح، ونظراً لأهمية خلق التسامح والعفو واللين في اجتماع القلوب ونهوض الأمم ونشوء الحضارات وتقدم الشعوب، فقد جاء في وصف نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).



وتجاور المملكة العربية السعودية في العقد الرابع من القرن الخامس عشر الهجري دولا طحنتها الحروب بسبب الاختلاف الطائفي والحزبي والفكري وانعدام خلق التسامح بين هذه الطوائف والأحزاب والتيارات الفكرية؛ فنتج عنه القسوة والبغضاء والظن السيئ وتصنيف الناس وتقسيم المجتمع والبحث عن السلبيات وغمط الحسنات وتضخيم المشكلات؛ فتباغضت القلوب، وتراشقت الألسن بالكلمات السيئات؛ فظهر الغلو والتعصب، ونشأت الفتنة، وحدث الاقتتال، وانتشر الإرهاب.



ونظرا لهذا الواقع المزري بادر عقلاء المملكة العربية السعودية بحماية وطنهم من داء التعصب الطائفي، والتحزب للتيارات الفكرية، والغلو في التبعية لها، وبغض الآخرين بسببها، والتقوقع حول الطائفة والمذهب.



نعم، من المستحيل أن يوجد مجتمع بلا طوائف ولا تيارات فكرية، ومن المستحيل أن يوجد مجتمع مثالي لا توجد فيه أخلاق سيئة، ولكن المؤمل في المجتمع السعودي أن لا يجعل من الطائفية والاختلاف الفكري سببا للاقتتال والاحتراب الداخلي، ولا يجعل من الأخلاق السيئة ظواهر كبيرة ومنتشرة، وتغطي مساحات شاسعة في مجالاته الحياتية.



وفي نظري أن المملكة العربية السعودية بذلت جهودا كبيرة في نشر خلق التسامح من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي أكد على أن اختلاف الآراء وتنوع المذاهب وتعدد الاتجاهات لا يعني بالضرورة التخاصم والتقاطع ورمي الآخرين بأقذر الأوصاف وأخس النعوت، بل إن الاختلاف ظاهرة صحية يثري الآراء، ويرتقي بالعقول، ويهذب الأخلاق إذا تعامل المجتمع معه تعاملا حضاريا ومدنيا.



والمعالجات التي وظفها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كان لها مفعول دوائي واضح في اجتثاث كثير من أمراض الأخلاق السيئة أو على الأقل تحجيمها وتقليصها.



كما كان للمركز نتائج إيجابية في زرع القيم الفاضلة وترسيخها في النفوس، مثل قيم التعايش والوسطية والانتماء للوطن، وأيضا أكد المركز على روابط الجوار والقرابة والصداقة، وهذا بدوره عزز خلق التسامح ونمَّاه في النفوس.



ومع هذه الجهود الكبيرة التي بذلها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لا يزال المجتمع السعودي ينتظر منه الكثير والكثير من أجل أن يواكب طموحات (رؤية المملكة العربية السعودية 2030م).



وبهذا الصدد فإن المرجو من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني افتتاح مراكز في كل منشأة تعليمية من مدارس التعليم العام والجامعات والمعاهد؛ لتكون عاملا مساعدا في نشر قيم الفضيلة كالتسامح والتعايش والوسطية والحب والصداقة وفي اجتثاث قيم الرذيلة كالتعصب والتحزب والانغلاق والكراهية والعداء.