ماذا يريد فلاديمير بوتين في أوكرانيا؟

متى لا يكون الغزو غزوا؟ لم تدخل دبابات روسية عبر الجبهة الأوكرانية الشرقية وليست هناك وحدات قوات خاصة تجول المناطق الحدودية بين البلدين، ومع ذلك استطاع الكرملين أن يفرض سيطرة الأمر الواقع على مجموعة من البلدات داخل البلد الجار. هذه العملية الغامضة في شرق أوكرانيا تكشف كثيرا عن مزاج الرئيس فلاديمير بوتين.

متى لا يكون الغزو غزوا؟ لم تدخل دبابات روسية عبر الجبهة الأوكرانية الشرقية وليست هناك وحدات قوات خاصة تجول المناطق الحدودية بين البلدين، ومع ذلك استطاع الكرملين أن يفرض سيطرة الأمر الواقع على مجموعة من البلدات داخل البلد الجار. هذه العملية الغامضة في شرق أوكرانيا تكشف كثيرا عن مزاج الرئيس فلاديمير بوتين.

الخميس - 17 أبريل 2014

Thu - 17 Apr 2014



متى لا يكون الغزو غزوا؟ لم تدخل دبابات روسية عبر الجبهة الأوكرانية الشرقية وليست هناك وحدات قوات خاصة تجول المناطق الحدودية بين البلدين، ومع ذلك استطاع الكرملين أن يفرض سيطرة الأمر الواقع على مجموعة من البلدات داخل البلد الجار. هذه العملية الغامضة في شرق أوكرانيا تكشف كثيرا عن مزاج الرئيس فلاديمير بوتين. إصدار أوامر بالقيام بغزو عسكري رسمي لم تكن لتناسب هذا الرجل الذي تخرج من الاستخبارات السوفيتية (كي جي بي). في الوقت الذي ارتبك فيه حلف الناتو من وجود 35-40 ألف جندي روسي على الحدود الأوكرانية، اختار بوتين أسلوبا أكثر مكرا لمضايقة البلد الجار. الوقيعة من الداخل –وليس الهجوم من الخارج- بدا أنها الأسلوب المفضل لبوتين للسيطرة على الأحداث في أوكرانيا. الغزو المباشر لا يزال ممكنا، ولكن حاليا على الأقل، اختار الكرملين شن حرب يمكن إنكارها في الأفق.

المرحلة الأولى من هذه العملية بدأت منذ عشرة أيام عندما استولى مسلحون على مبان حكومية في خاركيف، لوهانسك، ودونيتسك، عواصم ثلاث مناطق في شرق أوكرانية يسكنها أقلية كبيرة من الروس. بعد ذلك تصاعدت الحملة فجأة. خلال 24 ساعة فقط، احتل المسلحون أقسام الشرطة ومبان رسمية أخرى في ست بلدات عبر منطقة دونيتسك.

طريقة عمل المسلحين يمكن مقارنتها مع مصير شبه جزيرة القرم، التي وقعت تحت السيطرة الفعلية لروسيا خلال أيام في فبراير. وكما هو الأمر في شبه جزيرة القرم، الرجال الذين في مقدمة هذه الهجمات رفعوا الأعلام الروسية من المناطق التي سيطروا عليها. أما بالنسبة لهدفهم، فهم يطالبون بالاستقلال التام عن مناطقهم –أو بوحدة مباشرة مع روسيا.

فهل سيحدث في شرق أوكرانيا ما حدث في شبه جزيرة القرم؟ لا أحد يشك أن بوتين حقق هدفه الأول في عرقلة عمل الحكومة الأوكرانية. إذا واجه قادة أوكرانيا الجدد التحدي ونشروا جيشهم لاستعادة البلدات والمباني الحكومية، فإن الروس هناك قد يتعرضون للقتل –وهذا يعطي الرئيس بوتين الذريعة للقيام بغزو كامل. أما إذا تجاهل قادة أوكرانيا الاستفزاز وتركوا بلدات مثل سلوفيانسك في أيدي أعدائهم فإن الحكومة المركزية ستفقد السيطرة تدريجيا على الشرق.

روسيا أعلنت عن أهدافها في أوكرانيا: الكرملين يريد أن يكون لأوكرانيا دستور جديد يسمح باستقلال المناطق الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، تطالب روسيا بأن تضمن هذه التسوية الجديدة حياد أوكرانيا –بعبارة أخرى، عدم انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو مطلقا. هذان الأمران سيضمنان بقاء أوكرانيا في قبضة موسكو بشكل حازم.

هناك عدة مخاطر أمام الرئيس الروسي. أولا، أن قادة أوكرانيا ربما يختارون مواجهة القوة بالقوة. إذا فعلوا ذلك، وقتلوا بعض الروس، فإن السيد بوتين قد يجد نفسه أمام ضغوط ليغزو أوكرانيا عسكريا، سواء كان ذلك جزءا من مخططاته أم لا. ومن ناحية ثانية، قد لا يتصرف الناس في شرق أوكرانيا بنفس الطريقة التي يتمناها بوتين. إذا كان يريد أن تنتشر مشاعر الاشمئزاز ضد الثوريين في كييف، فإن ذلك لم يحدث بعد. بضع مئات فقط شاركوا في الاحتلال، مدعومين بحشود متوسطة من المتظاهرين.

بعكس ما حدث في شبه جزيرة القرم، الروس يمثلون أقلية في شرق أوكرانيا، بالرغم من أن نسبتهم تبلغ 38% من الناخبين في منطقة دونيتسك. ومع ذلك فإن استطلاعات الرأي تبين أن الانضمام إلى روسيا لا يحظى بتأييد الأغلبية. أكثر من 83% من الناخبين في دونيتسك أيدوا استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي في استفتاء أجري في ديسمبر 1991. لذلك ربما لا يكون ما يفعله بوتين يلقى رضا الأغلبية. إذا قام بغزو شرق أوكرانيا، ربما يشن ضده السكان حرب عصابات طويلة حتى لو انتصر في الحرب التقليدية.

لكن هناك سؤالا مهما آخر: ما هي أهداف بوتين على المدى البعيد؟ في خطابه الذي أعلن فيه عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا في الشهر الماضي، شجب الرئيس بوتين عدم مظالم التسويات التي جرت ما بعد الحرب الباردة، والتي فُرضت على بلاده التي كانت تمر بأضعف حالاتها. ووعد الحضور أنه سيعكس تلك المظالم ويستعيد عظمة روسيا. ذلك الطموح شمل بوضوح ضم شبه جزيرة القرم. ولكن إذا أراد بوتين أن يغير العالم الذي أصبح تحت سيطرة الغرب بعد الحرب الباردة، فأين تنتهي مهمته؟ ربما يكون مهتما فقط بروسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا. وربما لا يعرف الإجابة على هذا السؤال. لكن مصير شرق أوكرانيا في الأسابيع القادمة سيساعد على كشف مدى استعداد الرئيس الروسي للذهاب بعيدا لاستعادة عظمة روسيا.