مفاوضات السجان مع السجين في فلسطين

بعض المسكوت عنه، في مأزق الانسداد أمام عملية التسوية في فلسطين؛ يزيد عن المُعلن على صعيد أسباب فشل المسعى الأمريكي

بعض المسكوت عنه، في مأزق الانسداد أمام عملية التسوية في فلسطين؛ يزيد عن المُعلن على صعيد أسباب فشل المسعى الأمريكي

الاثنين - 07 أبريل 2014

Mon - 07 Apr 2014



بعض المسكوت عنه، في مأزق الانسداد أمام عملية التسوية في فلسطين؛ يزيد عن المُعلن على صعيد أسباب فشل المسعى الأمريكي. فالصلف والعجرفة ومنطق التطرف الذي أظهرته حكومة نتنياهو، لم يقتصر على الممارسات على الأرض، ولا على اللغة التي تُصاغ بها الطروحات، وهي تتعمد إنكار كل شيء، من الحقائق جيوسياسية، ومن مرجعيات عملية التسوية والمناخ الدولي؛ طالت المفاوضين الفلسطينيين أنفسهم بالتصرف الاستعلائي، حتى بات المراقب الذي يعلم حقيقة ما يجري، يؤكد على أن اللقاءات لا مفاوضات فيها، وإنما هي وقائع ملاسنات بين السجان والسجين. وربما للمرة الأولى، في تاريخ التفاوض، يميل المشاركون من الطرف الأضعف، إلى التبرم من السياق كله، وإلى حسم أمرهم بأن لا فائدة من اللقاءات مع هكذا فريق عنصري متطرف يمثل دولة الاحتلال. فالمفاوضون، في العادة، تأخذهم اللقطات الإنسانية من جنس المجاملات والدعابة في هامش السياق، إلى بعض التفاؤل أو بعض التمسك بدورهم التفاوضي. لكن الأمر في الحالة الفلسطينية ـ الإسرائيلية بدا عكس ذلك تماماً. ورب قائل إن الإسرائيليين يتعمدون استخدام لغة الزجر والاستعلاء ودفع العناصر الفلسطينية المشاركة في اللقاءات إلى غضب يلامس التطرف، وأن هذا هو ما يريده المحتلون للوصول إلى النتيجة التي يبتغونها، وهي إحباط كل مقاربة تصل بالطرفين إلى محطة الإقلاع إلى مفاوضات جدية، تضع النقاط على الحروف وتسجل اختراقاً. ففي اللقاءات الأخيرة، اتخذ السجال بين السجان والسجين، منحى انفعالياً. الأول يلوّح بورقة التضييق والتصعيد وبإلغاء بعض التدابير المخففة، المتعلقة بالحياة اليومية للسكان في الضفة، فيجيب رئيس الطاقم الفلسطيني بغضب ظاهر من هذه الصفاقة: إن صعّدتم سنلاحقكم كمجرمي حرب!

الجانب الإسرائيلي، بتطرفه وغروره واستعلائه، يفعل كل ما يتفتق عنه ذهن المتطرف من أي دين ومن أية قومية، وليست هناك حسبة ولا مؤشرات لدى المحتلين، تجعلهم يتخيلون حجم التعقيد والمخاطر الناجمة عن زرع المستوطنين المتطرفين عند أعتاب بيوت الفلسطينيين في مراكز كثافتهم السكانية. فلا اعتبار للمستقبل، ولا للشروط الموضوعية للتوصل إلى تسوية تاريخية، ولا اكتراث بالمناخ الدولي. إنهم لا يتأملون حقيقة أن إسرائيل توجد في منطقة تقطنها أمة عريقة لن تصبر طويلاً على جَرْح كرامتها وامتهان عقيدتها وانتهاك مقدساتها في فلسطين. كأنهم يرونها أمة نائمة إلى يوم القيامة، بينما الأمم لا تموت، بل تنام وتصحو وترضى وتغضب!

جولات وجولات لوزير الخارجية جون كيري، تخللتها ساعات وساعات من اللقاءات مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وعندما استهل الرجل مسعاه، في محاولة حثيثة لإنجاز شيء يُسجل في الصفحة الضئيلة لمآثر إدارة الرئيس أوباما؛ تعَّهد للجانب الفلسطيني بأنه سيحدد الطرف المسؤول عن إحباط مسعاه وسيقول كلمته للتاريخ. لكنه اصطدم بطبائع العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة كمنظومتي كيانين سياسيين تداخلت في علاقتهما المصالح والاستراتيجيات والوظائف وعناصر التأثير. فعندما حضر جون كيري جلسة استماع للكونغرس الأمريكي في الشهر الماضي، ووضع خلاصة تجربته متأثراً بما سمعه من الطرف الفلسطيني، واعترف بأنه كان من الخطأ الضغط على الفلسطينيين لكي يلتزموا بالاعتراف بإسرائيل كـ»دولة يهودية»؛ هبّت عليه رياح عاتية من إسرائيل وامتداداتها في أمريكا، فاتهم بعداء إسرائيل وبالانحياز وعدم النزاهة، واتُهمت الإدارة كلها بالضعف والبؤس. وكان كيري في شهادته تلك، قد تجنب الإفاضة في الشرح، فلم يقل للكونغرس إن دينية الدولة عناصر قيامها كدولة حديثة فاعلة، وتصبح عبئاً عليها، مثلما سيكون عبئاً على الولايات المتحدة نفسها، الإعلان عنها كدولة بروتستانتية. لم يقل للكونغرس، إن أية دولة، هي إطار تتوافق عليه الجماعة لكي يكون حكماً نزيهاً بين الناس، ولم يقل لهم إن في إسرائيل، عرباً فلسطينيين يمثلون 21% من السكان، وأن 11% فقط من اليهود أنفسهم، هم الذين يريدون لأنفسهم دولة دينية، بينما 89% منهم يريدونها دولة علمانية لا دينية.

الحاكمون في إسرائيل، يمثلون عقائدياً 11% من السكان اليهود، ويحصلون على أصوات انتخابية لأسباب انتهازية لدى الناخبين، من بينها إعفاء الإناث من الخدمة العسكرية وضعف القوى الأقل تطرفاً وخلو أحزابها من الزعامات الكاريزمية. وهؤلاء الذين يحكمون يعمدون إلى إحباط التسوية ويستحثون غضب الفلسطينيين ويتعمدون إهانة مفاوضيهم ويركزون على إدامة أمد الصراع. ففي مربع العنف والحرب يجدون أنفسهم، وإن اضطر الفلسطينيون إلى ردود أفعال عنفية مقاومة، يجعلون الأمر قضية إرهاب لكي يربحوا عطف العالم ويخرجوا من مأزق السياسة!