المواطنة والمسؤولية الاجتماعية

تنتهي كل القيم التي تعيش على كنفها المجتمعات إلى قيمة عليا أهم، وهي قيمة المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، بمعنى أنها قد ترتقي إلى مستوى قيم العدل والمساواة والحرية

تنتهي كل القيم التي تعيش على كنفها المجتمعات إلى قيمة عليا أهم، وهي قيمة المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، بمعنى أنها قد ترتقي إلى مستوى قيم العدل والمساواة والحرية

الثلاثاء - 25 مارس 2014

Tue - 25 Mar 2014



تنتهي كل القيم التي تعيش على كنفها المجتمعات إلى قيمة عليا أهم، وهي قيمة المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، بمعنى أنها قد ترتقي إلى مستوى قيم العدل والمساواة والحرية. فالمواطنة لا تتأسس فقط على علاقات قانونية بين الأفراد، ولكنها علاقة اجتماعية ترتبط بالأدوار التي يؤديها الأفراد، من خلال تفاعلهم مع الآخرين ومع الدولة التي يعيشون تحت ظلها. ولذلك فإن المواطنة ليست حقاً يمنح من قبل الدولة، ولكنها حق للبشر الذين يعيشون في كنف دولة معينة، وهي تتعلق بعلاقاتهم وممارساتهم الحياتية، بل هي الأصل الثابت في تكوين العلاقات الاجتماعية.

وبكل يقين وثبات نستطيع القول إن المجتمعات تتقدم كلما ترسخت «المواطنة» كعلاقة وحق قانوني، وكلما تأسست التفاعلات بين البشر على أساس الاشتراك في «المواطنة» وليس على أساس ديني أو قبلي أو عرقي. وهنا نجد الأفراد في هذه الحالة ينصهرون بشكل تلقائي في بوتقة واحدة، ويشعر كل منهم بأن لديه مسؤولية اجتماعية. لذلك فإن مفهوم المواطنة لصيق بمفهوم المسؤولية الاجتماعية. لكن السؤال الأهم كيف نكتسب هذه المسؤولية الاجتماعية؟ أو من المسؤول عن غرس قيم المسؤولية الاجتماعية في داخل الأفراد؟

بالتأكيد التعليم يلعب دوراً هاماً ورئيسياً في تكوين ثقافة المواطنة والمسؤولية الاجتماعية. من خلال غرسها في وجدان التلاميذ والطلاب بشكل غير مباشر عبر ما يسمى بالمنهج الخفي، أي توجيه بعض المناهج الدراسية خاصة في العلوم الاجتماعية التي تبث قيم التسامح واحترام الآخر والعدل والمساواة، والتي سوف تقوده بالتأكيد إلى الدرجة المطلوبة من المسؤولية الاجتماعية التي يطالب بها لتحقيق أحد المفاهيم المهمة لمفهوم المواطنة. ومن هنا فإن وزارة التربية والتعليم مطالبة بتجديد وتفعيل مناهجها الداعمة لهذه المفاهيم عبر تزويد طلابها بالمعارف والمهارات ومظاهر الفهم المختلفة، بحيث يجعلهم مواطنين عارفين وعلى وعي بحقوقهم وواجباتهم ومسؤولياتهم. ويجب أن لا يكون عبر مناهج نظرية صرفة فقط بل يفترض أن يواكبها تمارين تطبيقية تفعل عبر الأنشطة الطلابية، في ضوء مبدأ التطوع والعمل المشترك.

لكن هل وزارة التربية والتعليم هي وحدها المسؤولة عن غرس هذه القيم؟ بالتأكيد «لا» الأسرة أيضاً تشترك في تدريب وتربية أبنائها على معنى ومفهوم المسؤولية الاجتماعية، على سبيل المثال، أعرف أحد الأصدقاء «أبو أحمد»، يحرص كل يوم جمعة على إحضار مجموعة من الأطفال من دار الأيتام في جدة إلى منزله، ويلزم أبناءه خدمة وإطعام هؤلاء الأطفال واللعب معهم حتى المساء. ويؤكد أبوأحمد «أن يوم الجمعة أصبح أسعد أيام الأسبوع، وأن أبناءه ينتظرون مجيء هؤلاء الأطفال بفارغ الصبر». ماذا تتوقعون لأبناء صديقنا أبوأحمد عندما يصبحون شباباً؟ هل سوف يكون لديهم مسؤولية اجتماعية؟ بالتأكيد «نعم» لذلك نحن محتاجون إلى تعميم وتطبيق مثل هذه التجارب الملهمة.

أخيراً يجب أن نعترف أن لدينا أزمة حقيقية فيما يخص مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، ومن هنا نحتاج من وزارة التربية والتعليم أن تبادر في حل هذه الأزمة بتقديم مبادرات حقيقية تبدأ من المدارس أولاً؛ عبر نقل مهارات خاصة تتصل بالقدرة على التطوع، والمشاركة، والمبادأة، ومساندة الآخرين، والدفاع عنهم خاصة الفئات الضعيفة والأكثر عرضة للمخاطر؛ كالأطفال، وكبار السن، وذوي الحاجات الخاصة.