حقائق بوتين المشوهة

ضباط الاستخبارات يعيشون وفق عقيدة قديمة: عندما يكون لديك شك، لا تعترف بشيء، انكر كل شيء، ووجه اتهامات معاكسة. من ذلك المنطلق خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رجل الاستخبارات السابق،

ضباط الاستخبارات يعيشون وفق عقيدة قديمة: عندما يكون لديك شك، لا تعترف بشيء، انكر كل شيء، ووجه اتهامات معاكسة. من ذلك المنطلق خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رجل الاستخبارات السابق،

السبت - 22 مارس 2014

Sat - 22 Mar 2014



ضباط الاستخبارات يعيشون وفق عقيدة قديمة: عندما يكون لديك شك، لا تعترف بشيء، انكر كل شيء، ووجه اتهامات معاكسة. من ذلك المنطلق خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رجل الاستخبارات السابق، شعبه والعالم يوم الثلاثاء حول ضم شبه جزيرة القرم. بدأ الخطاب بكذبة سافرة – «تم إجراء استفتاء في شبه جزيرة القرم في 16 مارس، بشكل يتطابق تماما مع الإجراءات الديمقراطية والمعايير الدولية»- وأسهب في الحديث في ذلك الخط لمدة 40 دقيقة. بوتين قدم حجة تاريخية وقانونية مغرضة ومتشابكة قانونيا –ولا يستسيغها أي شخص باستثناء القوميين الروس مثل أولئك الذين ملؤوا الكرملين وصفقوا له –لدرجة أن الأمر بدا مقصودا حتى يتم دفن جميع الحجج المعاكسة تحت سيل خطابي جارف. بوتين اعترف أنه في عهد الاتحاد السوفييتي، لقي التتار في شبه جزيرة القرم معاملة غير عادلة –وهي صياغة ملطفة لطرد التتار بشكل جماعي إلى آسيا الوسطى في عهد ستالين. ومع ذلك، قال بوتين إن الجميع كانوا يعانون في تلك الفترة، وعلى رأسهم الروس، ولذلك قال إنه يشعر بألم التتار، وإنهم يستطيعون أن يثقوا به عندما يقول إن حقوقهم ستكون محفوظة الآن. بعد ذلك بقليل، أعرب بوتين عن أسفه لانهيار هذه الإمبراطورية، قائلا إن الروس عانوا أكثر من أي شعب آخر لأن الانهيار جعل الروس إحدى أكبر الجماعات الإثنية «إن لم تكن الجماعة الأكبر في العالم التي يتم تقسيمها بوضع حدود بينها». وقال للأوكرانيين: «لا تصدقوا أولئك الذين يريدون منكم أن تخافوا من الروس، ويصرخون بأن مناطق أخرى سوف تتبع شبه جزيرة القرم» في طريقها إلى الضم. ومع ذلك ألمح إلى «الاستيعاب القسري» للروس في أوكرانيا في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، وشكك بقانونية الحدود الأوكرانية لأن الشيوعيين البلاشفة رسموها دون اعتبار للسكان الروس في المناطق الشرقية، وأشار إلى أن ضمان سلامة ووحدة أراضي أوكرانيا تعتمد على تعهد أوكرانيا بحماية حقوق السكان الروس بشكل كامل. بوتين اعترف بتفهمه وتعاطفه مع المحتجين في ميدان كييف ومع عدم رضاهم عن الفساد والفقر، متجاهلا التناقض مع قمع نظامه للروس الذين يتجرؤون على الاحتجاج على حكمه الفاسد. بوتين أيد حق «سكان شبه جزيرة القرم في اختيار مصيرهم بحرية»، تماما كما أعلن الأمريكيون الاستقلال في 1776 وانشقت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي في 1991. لكن تطبيق هذا المبدأ ربما يقود إلى انفصال جمهوريتين روسيتين على الأقل –الشيشان وداغستان- اللتين قمع بوتين تطلعات شعبيهما بشدة وصرامة. بالطبع فإن الاتحاد السوفييتي كان مسؤولا بدرجة كبيرة جدا عن تقسيم ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو مسؤول أيضا عن بناء جدار برلين الشائن الذي حجز المستشارة الألمانية الحالية، أنجيلا ميركل، داخل ألمانيا الشرقية معظم حياتها. لكن المشكلة الأهم في هذه القصة التي يقدمها بوتين للجمهور للتغطية على قيامه بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا هي أنه ربما يصدقها هو. الظروف التي أحاطت بالخطاب الذي ألقاه بوتين تبين أنه يصدق هذه الادعاءات. كان الإعداد لمكان إلقاء الخطاب أوبراليا: صالة سانت جورج الضخمة في الكرملين. إلقاؤه للخطاب كان قويا. بعد إلقاء الخطاب أمام الضيوف في الكرملين بفترة وجيزة، واجه بوتين حشودا أكبر بكثير في الساحة الحمراء، حيث أنهى كلمته المقتضبة التي ألقاها هناك بهتاف «عاشت روسيا!» يوم الثلاثاء، صور الرئيس بوتين جميع رؤساء الولايات المتحدة، الجمهوريين والديمقراطيين، كورثة لسياسة غربية قديمة –تعود إلى القرن الثامن عشر- مصممة لكي تدفع الروس «إلى زاوية لأن لدينا موقفا مستقلا». حتى الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما –وهو الذي جاء كناشط تقدمي إلى البيت الأبيض على أساس وعد بأنه سيعيد النظر في جميع العلاقات الأمريكية مع الآخرين، تنصل من «رقعة شطرنج الحرب الباردة»، وسعى لعقد اتفاقات لخفض الأسلحة النووية، وأحبط خطة دفاع صاروخية في أوروبا الشرقية ومد يده إلى إيران- لا يستحق الثقة أكثر من الذين سبقوه، بحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الرئيس الأمريكي باراك أوباما يستطيع أن يعطي بوتين محاضرات عن كل ما يريد حول «الجانب الخاطئ من التاريخ». بوتين لا يهتم ولن يهتم بذلك على الإطلاق. لديه تفسيره الخاص عن الماضي، ويملؤه هذا التفسير بحس من الظلم قوي بما فيه الكفاية لتغيير خارطة أوروبا.



* واشنطن بوست