الإرهاب لم يوحد العراقيين

من يقول إن تنظيم «داعش» وممارساته الإرهابية قد وحدا العراقيين وأنهيا الصراع القائم بينهم فهو واهم، لأن المشاكل العرقية والطائفية القائمة بين مكونات العراق المتنوعة عبر مراحل تاريخية طويلة أكبر بكثير من تهديدات هذا التنظيم أو ذاك، الأمر يتعلق باستراتيجيات دول عظمى وإقليمية شديدة الحساسية للمنطقة،

من يقول إن تنظيم «داعش» وممارساته الإرهابية قد وحدا العراقيين وأنهيا الصراع القائم بينهم فهو واهم، لأن المشاكل العرقية والطائفية القائمة بين مكونات العراق المتنوعة عبر مراحل تاريخية طويلة أكبر بكثير من تهديدات هذا التنظيم أو ذاك، الأمر يتعلق باستراتيجيات دول عظمى وإقليمية شديدة الحساسية للمنطقة،

الخميس - 25 ديسمبر 2014

Thu - 25 Dec 2014



من يقول إن تنظيم «داعش» وممارساته الإرهابية قد وحدا العراقيين وأنهيا الصراع القائم بينهم فهو واهم، لأن المشاكل العرقية والطائفية القائمة بين مكونات العراق المتنوعة عبر مراحل تاريخية طويلة أكبر بكثير من تهديدات هذا التنظيم أو ذاك، الأمر يتعلق باستراتيجيات دول عظمى وإقليمية شديدة الحساسية للمنطقة، صحيح أن الدول العربية والإسلامية استقلت وأصبحت دولا ذات سيادة ولها عضوية كاملة في الأمم المتحدة ولكنها ليست حرة تماما في أن تفعل ما تشاء بحدودها الجغرافية وتتلاعب بها أو تحدث تغييرات ديموغرافية في دولها.

ثمة قوانين دولية صارمة تتقيد بها تلك الدول ولا يمكن أن تتخطاها، وإلا فستواجه عقوبات شديدة، ومواجهة قوية لا يمكن تصورها، والأمثال كثيرة بهذا الصدد ولعل الاجتياح العراقي للكويت والردع القوي الصارم الذي تلقاه من المجتمع الدولي الذي قادته الدول الغربية الكبرى يعد الأبرز في هذا المجال.

صحيح أن رئيس النظام السابق صدام حسين استطاع في فترة أن يشغل الدول العظمى بالحرب الباردة والصراع الدائر بين المعسكرين الغربي والشرقي وأن يتلاعب بالحدود الداخلية للبلاد ويغير من الطبيعة السكانية لكثير من المناطق الكردية ضمن عمليات التهجير والتعريب لصالح عرب الجنوب، مما أخل بالتوازن السكاني وخلق مشكلة كبيرة للحكومة العراقية الحالية وشكل عائقا كبيرا أمام تطبيع الأوضاع مع إقليم كردستان، رغم إقراره في دستور عام 2005 في إطار المادة 140 التي تقضي بحل مشكلة الأراضي المتنازعة بين العرب والكرد، ولكن عندما ارتكب صدام حماقته التاريخية في غزوه للكويت في فترة زمنية فاصلة انهار فيها المعسكر الشرقي مخليا الساحة العالمية للقوى الغربية الديموقراطية، وجد نفسه مضطرا لأن يواجه غضب المجتمع الدولي ويتحمل تبعاته الثقيلة التي ما زال العراق يدفع ثمنها لغاية اليوم..

لم تتحسن العلاقة المتدهورة بين السنة والشيعة رغم غزو قوات «داعش» مدينة الموصل ومن ثم زحفها نحو المحافظات الأخرى «صلاح الدين» و»تكريت» و»الأنبار»، وظل الصراع الطائفي بينهما قائما ولم ينته، وخاصة بعد تشكيل الحشد الشعبي بفتوى من المرجع الشيعي «علي السيستاني» ليكون رديفا للجيش العراقي.

السنة في مناطقهم أوجسوا منه خيفة ورأوه تهديدا لأمنهم واستقرارهم وخاصة بعد أن تكررت حالات الخطف والقتل العشوائية من قبل الميليشيات الطائفية داخل الحشد الشعبي بحق المواطنين السنة، وناشدت العشائر والقوى السياسية السنية حكومة «العبادي» بعدم السماح لهذه الميليشيات الطائفية بالدخول إلى مناطقها لأي سبب كان، لأنها تثير الفتنة الطائفية وتزعزع الأوضاع أكثر.

وقد تندلع حرب ضروس طائفية في المنطقة بأي لحظة، والعراق في غنى عنها، ولكن الحكومة تجاهلت دعواتها وبدل أن ترسل السلاح والعتاد لتلك العشائر كما طالبت مرارا وتكرارا لمواجهة قوات الدولة الإسلامية الإرهابية لاستعادة المدن التي احتلتها وطردها منها، ظلت «الحكومة» متمسكة بوجود قوات الحشد الشعبي الشيعية في تلك المناطق الحساسة، ربما خوفا من أن تبسط القوى السنية سيطرتها على تلك المنطقة لتشكل منها إقليما سنيا مستقلا شبيها بالإقليم الكردي والذي طالما رفضته حكومة «المالكي» وعدته تقسيما للعراق، مع أن الدستور قد أقره وسمح به، ولكن القوى الشيعية بشكل عام لا تريد لهذا الإقليم السني أن يرى النور إلا إذا أجبرت على ذلك ووضعت أمام الأمر الواقع، وهذا ما تحاول أمريكا أن تفعله وتحققه.

وإزاء تصاعد خطر تنظيم «داعش» واستمرار زحفه نحو المناطق السنية، قررت أمريكا أن تزود العشائر في المحافظات السنية بالأسلحة وتشكل من مواطني المناطق السنية جيشا قوامه مئة ألف مقاتل لدحر قوات «داعش» واستعادة الموصل والمحافظات الأخرى التي سيطر عليها، دون أن تشاور الحكومة العراقية أو تأخذ رأيها، في محاولة لفرض قرارها على بغداد وإجبارها على القبول بالكيان السني المزمع تشكيله، ولم يكن المؤتمر الذي عقد في عاصمة إقليم كردستان «أربيل» في الآونة الأخيرة بحضور شخصيات دينية وسياسية من داخل وخارج الحكومة فقط لحشد الدعم ضد تنظيم داعش الإرهابي فقط، بل يعد تمهيدا لتشكيل حشد عسكري سني على غرار الحشد الشيعي لإقرار التوازن الطائفي في المنطقة وليكون جيشا رسميا للإقليم السني القادم، بعد التخلص من قوات «داعش» وتطهير مدينة الموصل والمدن الأخرى السنية منها.

وقد انقسمت الأحزاب والكتل الشيعية إزاء عقد مؤتمر من هذا النوع والذي دعيت إليه شخصيات سنية سياسية ودينية حصرا، فبعضها لزم الصمت بينما رفضه البعض الآخر وعده محاولة لتقسيم العراق وتفتيت وحدته، وعلى رأس هؤلاء الرافضين؛ ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه «المالكي» الذي رأى أن المؤتمر قد تعمد «تشويه» صورة فصائل الحشد الشعبي «باعتبارها» رديفا لتنظيم «داعش» الإرهابي ولا تختلف عنه في شيء.