القضاء العراقي المسيس

بعد أن أخضع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كل المناصب الحساسة في البلاد لهيمنته المباشرة، وأصبح يتحكم بصورة كاملة في مفاصل الدولة الرئيسة، الوزارات الأمنية والعسكرية والخدمية والمصارف والبنوك الوطنية والمؤسسات النفطية والأموال والموازنة العامة ويهدد بها من يشاء من خصومه السياسيين، بغية إبعادهم عن المنافسة السياسية، راح يبسط سيطرته على المحاكم والقضاة، والمؤسسات القضائية، ومن أهمها «مجلس القضاء الأعلى» الذي يعد أهم وأخطر هيئة قضائية في العراق، فهو يتشكل من رئيس المحكمة الاتحادية العليا وعضوية كل من رئيس ونواب محكمة التمييز الاتحادية ورؤساء المحاكم الاستئنافية، ورؤساء المحاكم في إقليم كردستان، وهو يدير المحاكم والأجهزة القضائية الأخرى، ولا توجد سلطة قضائية فوق سلطاته

بعد أن أخضع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كل المناصب الحساسة في البلاد لهيمنته المباشرة، وأصبح يتحكم بصورة كاملة في مفاصل الدولة الرئيسة، الوزارات الأمنية والعسكرية والخدمية والمصارف والبنوك الوطنية والمؤسسات النفطية والأموال والموازنة العامة ويهدد بها من يشاء من خصومه السياسيين، بغية إبعادهم عن المنافسة السياسية، راح يبسط سيطرته على المحاكم والقضاة، والمؤسسات القضائية، ومن أهمها «مجلس القضاء الأعلى» الذي يعد أهم وأخطر هيئة قضائية في العراق، فهو يتشكل من رئيس المحكمة الاتحادية العليا وعضوية كل من رئيس ونواب محكمة التمييز الاتحادية ورؤساء المحاكم الاستئنافية، ورؤساء المحاكم في إقليم كردستان، وهو يدير المحاكم والأجهزة القضائية الأخرى، ولا توجد سلطة قضائية فوق سلطاته

الجمعة - 07 مارس 2014

Fri - 07 Mar 2014



بعد أن أخضع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كل المناصب الحساسة في البلاد لهيمنته المباشرة، وأصبح يتحكم بصورة كاملة في مفاصل الدولة الرئيسة، الوزارات الأمنية والعسكرية والخدمية والمصارف والبنوك الوطنية والمؤسسات النفطية والأموال والموازنة العامة ويهدد بها من يشاء من خصومه السياسيين، بغية إبعادهم عن المنافسة السياسية، راح يبسط سيطرته على المحاكم والقضاة، والمؤسسات القضائية، ومن أهمها «مجلس القضاء الأعلى» الذي يعد أهم وأخطر هيئة قضائية في العراق، فهو يتشكل من رئيس المحكمة الاتحادية العليا وعضوية كل من رئيس ونواب محكمة التمييز الاتحادية ورؤساء المحاكم الاستئنافية، ورؤساء المحاكم في إقليم كردستان، وهو يدير المحاكم والأجهزة القضائية الأخرى، ولا توجد سلطة قضائية فوق سلطاته..فمن خلال هذا المجلس استطاع «المالكي» أن يصفي معظم خصومه السياسيين، ويوجه اليهم تهمة الإرهاب، وعقوبتها الإعدام، مثل نائب رئيس الجمهورية «طارق الهاشمي» ونواب عن القائمة العراقية السنية، مثل «ناصر الدين الألباني» و»محمد الدايني» و»عدنان الدليمي» و»رافع العيساوي» وغيرهم ممن وقفوا بوجه سياساته الإقصائية.

وآخر قرارات هذا المجلس المسيس الذي يعمل لصالح «المالكي»، أن أصدرت هيئته القضائية ببطلان قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الذي قضى بإبعاد ثلاثة من أصل ستة من الموالين له من الترشح للانتخابات القادمة، لخروجهم عن المادة الثامنة التي تقضي بأن يكون المرشح حسن السيرة والسلوك، اثنان منهم من حزبه حزب الدعوة وهما: عمار الشبلي وسامي العسكري الذي يعتبر صديقه الصدوق وموضع أسراره يستعمله كمخلب قط ضد خصومه الأكراد والسنة، والآخر هو النائبة «عالية نصيف الجاسم» التي تنتمي إلى قائمة العراقية الحرة المنشقة عن القائمة العراقية والمدافعة المتحمسة عنه بقوة، وقد وضع «المالكي» الكلية العسكرية تحت إشرافها، تعين من تشاء وترفض من تشاء نظير دفاعه المستميت عنه، دون أن يعترض عليها أحد، في حين أبقت الهيئة القضائية للمجلس عن ثلاثة من أشد خصوم «المالكي» ضراوة وهم النائب المستقل الشيخ «صباح الساعدي» الذي له مواقف جريئة ضد الفساد المستشري في حكومته، وطالب مرارا باستجوابه في البرلمان وسحب الثقة منه..والمعارض الآخر الذي لم ترفع الهيئة القضائية المسيسة الحظر عن ترشحه للانتخابات هو النائب في قائمة المتحدون التي يرأسها أسامة النجيفي «حيدر الملا» وهو أيضا خصم عنيد للمالكي وعارض سياسته بقوة، وكذلك الأمر بالنسبة للنائب السابق زعيم حزب الأمة»مثال الآلوسي»..وإذا كان القضاء في عهد دولة القانون وحزب الدعوة الإسلامية، قد أسيء استعماله وانحرف عن مساره الطبيعي، وخضع للمزايدات السياسية والصراعات الحزبية والطائفية، فإن هذه المؤسسة المرموقة في العهد الملكي كانت تعتبر من أنزه القضاء في الوطن العربي، وتتمتع باستقلالية تامة، تطبق القوانين على الكل، القوي قبل الضعيف، والشريف قبل الوضيع، لا توجد سلطة فوق سلطتها، الكل يخضع لسلطانها، حتى الملك أو رئيس الوزراء.

يروي المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني في موسوعته (تاريخ الوزارات العراقية) حكاية عن استقلالية القضاء في عهد رئيس الوزراء»نوري السعيد»عام 1956 ، ومفادها أن الناس اشتكوا من سوء سلوك الموظفين والمسؤولين الحكوميين وفسادهم حيث (بيعت الوظائف بيعاً وفرض بعض الموظفين الكبار أتاوات شهرية على صغار مرؤوسيهم وأصبح التعيين في الوظائف مع الأسف الشديد غير منصب على الكفاءة وحسن السمعة) وكان موقف «نوري السعيد» الباشا من هذا الفساد المستشري حاسما وسريعا، حيث شكل لجنة تحقيقية من أكفأ وأنزه القضاة للتحقيق في هذه المسألة الخطيرة، وأخذت اللجنة على عاتقها هذا الأمر، ونظرت في شكاوى المواطنين، وخلال فترة وجيزة أصدرت حكمها الرادع، وقضت بفصل ثلثمئة وسبعة عشر موظفا حكوميا ومن بينهم تسعة «محافظين»وفصلت مئة ضابط شرطة وعددا من المديرين العامين، واتفق أن حاول أحد الوزراء التوسط عند «الباشا» لتخفيف الحكم عن بعض المتهمين «الكبار!»، وفعلا حاول رئيس الوزراء أن يجد طريقة لوقف قرار الفصل الجماعي الذي يؤثر على الحياة العامة للشعب العراقي، فاجتمع بالقضاة في اللجنة، وقال لهم؛ عندي لديكم رجاء هو إذا كان هناك مجال لإعادة النظر في بعض المفصولين فأرجوكم أن تقرروا ذلك لأن العراق يا إخوان لا يتحمل ذلك، وعندما أجابه رئيس اللجنة؛ أن ذلك يا فخامة الباشا لا يصح ومستحيل وأن هيبة القضاء ستتزعزع عند الناس، قال»السعيد»مستدركاً؛ هذه قراراتكم ولا يجوز أن أتدخل فيها شخصياً بارك الله فيكم»..وإذا قارنا بين موقفي رئيس وزراء «نوري السعيد» في العهد الملكي ورئيس الوزراء الحالي «نوري المالكي» للقضاء والقضاة، سندرك الفرق الشاسع بين النظامين السياسيين، والرجلين المسؤولين!



[email protected]