مقارنة بين أسواق الأدوية العالمية
الأربعاء - 10 ديسمبر 2025
Wed - 10 Dec 2025
تختلف أنماط مبيعات الأدوية وتوزيعها بين الأسواق الإقليمية بشكل ملحوظ بسبب عوامل اقتصادية وتنظيمية وصحية. حيث تحتل أمريكا الشمالية (خصوصا الولايات المتحدة) الحصة الكبرى من إنفاق الدواء العالمي من حيث القيمة. إذ تشير إحصائيات 2022 إلى أن شمال أمريكا تستأثر بحوالي 52% من مبيعات الأدوية في العالم، مقابل حوالي 22% لأوروبا. هذا التفاوت يعكس أسعار الأدوية المرتفعة في السوق الأمريكي واعتماد نظامه الصحي على شركات التأمين الخاصة، مما يسمح للشركات بتحقيق عوائد ضخمة هناك.
فعلى سبيل المثال، في عام 2023 بلغ إجمالي إيرادات الأدوية "الضخمة" (ذات المبيعات المليارية) عالميا حوالي 511 مليار دولار، كان منها 58% من المرضى في الولايات المتحدة وحدها (نحو 298 مليار دولار).
هذه الأرقام، توضح هيمنة السوق الأمريكي كقاطرة نمو للصناعات الدوائية، حيث حققت بعض الأدوية مثل دواء "هوميرا" الجزء الأكبر من مبيعاتها في أمريكا بسعر أعلى بكثير منه في بقية العالم.
في أوروبا، ورغم القاعدة السكانية الكبيرة والقدرة العلمية والصناعية العالية، فإن مساهمتها في المبيعات العالمية أقل نسبيا بسبب سياسات ضبط الأسعار واعتماد الأنظمة الصحية الحكومية. تقوم العديد من الدول الأوروبية بالتفاوض على الأسعار وتطبيق ضوابط تحد من ارتفاع تكلفة الأدوية، ما يخفض الإيرادات مقارنة بالسوق الأمريكي، رغم أن نسبة استهلاك الأدوية للفرد قد تكون مماثلة أو أعلى. كما تنتشر ثقافة استخدام البدائل الجنيسة بشكل أكبر في أوروبا فور انتهاء براءة اختراع الدواء، مما يقلل حصة الأدوية الأصلية باهظة الثمن. مع ذلك تبقى أوروبا سوقا مهما حقق أكثر من خُمس المبيعات العالمية، وتستمر الحاجة فيها للأدوية المزمنة والحديثة بفضل شيخوخة السكان وزيادة انتشار الأمراض غير السارية.
وفي المقابل، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، فلا تزال حصة هذه المنطقة صغيرة نسبيا على الصعيد العالمي، لكنها تشهد نموا متسارعا. قدرت قيمة سوق الدواء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو -42% فقط من حجم السوق العالمي، ورغم صغر هذه الحصة، يسجل نمو سنوي يقارب 10% في أسواق المنطقة متجاوزا معدل النمو العالمي (4–6%). يعود ذلك لعوامل ديمغرافية وصحية منها ازدياد السكان وارتفاع متوسط الأعمار وتغير أنماط الحياة ما أدى إلى انتشار أكبر للأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري والسمنة.
وأيضا، دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية خصوصا، تمتاز بقدرة إنفاق عالية على الرعاية الصحية، مع ميل ثقافي نحو الأدوية المستوردة ذات العلامة التجارية. فعلى سبيل المثال، تستورد حوالي 85% من الأدوية في السعودية ومعظمها علامات تجارية أجنبية، بينما تعتمد دول أخرى كمصر على الإنتاج المحلي، ويشكل الدواء الجنيس نسبة 90% من استهلاكها.
هذه التباينات الإقليمية في تفضيل الأدوية الأصلية مقابل الأدوية الجنيسة (البديلة للأدوية الأصلية)، إضافة إلى اختلاف سياسات الدعم والتسعير الحكومي، ترسم مشهدا متنوعا لسوق الدواء في الشرق الأوسط. وبشكل عام، مع استمرار الارتفاع في معدلات الأمراض المزمنة في المنطقة وتحسين خدمات الصحة الحكومية، يتوقع أن تزيد أهمية الأسواق الشرق أوسطية وشمال أفريقيا كشريحة مساهمة في مبيعات الأدوية العالمية خلال السنوات القادمة.
وفي منطقة آسيا، يتسم الوضع بالتباين بين دول متقدمة ونامية. اليابان مثلا تعد ثاني أكبر سوق دوائي منفرد بعد الولايات المتحدة من حيث القيمة، وتتميز بإنفاق عال على الأدوية الحديثة (رغم توجهها لخفض الأسعار دوريا). الصين أيضا برزت كسوق عملاق خلال العقدين الأخيرين، وأصبحت من أكبر الدول استهلاكا للأدوية بحصة متنامية عالميا مع تضخم نظامها الصحي لتلبية احتياجات أكثر من 1.4 مليار نسمة. حيث تقدر حصة آسيا والمحيط الهادئ مجتمعة (بما فيها الصين والهند واليابان) بحوالي ربع السوق العالمي أو أكثر، مع توقعات بمواصلة الارتفاع. حيث إن كثيرا من دول آسيا تعتمد على الإنتاج المحلي للأدوية الجنيسة لتوفير التكلفة، لكن الطلب على العلاجات المبتكرة في تزايد مع نمو دخل الفرد وتحسين التغطية الصحية. وبذلك، أصبحت آسيا محركا مهما سواء في حجم استهلاك الأدوية (حيث تتصدر في عدد الجرعات الموزعة لكبر عدد السكان) أو في نمو الإيرادات لشركات الدواء التي تتوسع في هذه الأسواق سريعة النمو.
nabilalhakamy@
فعلى سبيل المثال، في عام 2023 بلغ إجمالي إيرادات الأدوية "الضخمة" (ذات المبيعات المليارية) عالميا حوالي 511 مليار دولار، كان منها 58% من المرضى في الولايات المتحدة وحدها (نحو 298 مليار دولار).
هذه الأرقام، توضح هيمنة السوق الأمريكي كقاطرة نمو للصناعات الدوائية، حيث حققت بعض الأدوية مثل دواء "هوميرا" الجزء الأكبر من مبيعاتها في أمريكا بسعر أعلى بكثير منه في بقية العالم.
في أوروبا، ورغم القاعدة السكانية الكبيرة والقدرة العلمية والصناعية العالية، فإن مساهمتها في المبيعات العالمية أقل نسبيا بسبب سياسات ضبط الأسعار واعتماد الأنظمة الصحية الحكومية. تقوم العديد من الدول الأوروبية بالتفاوض على الأسعار وتطبيق ضوابط تحد من ارتفاع تكلفة الأدوية، ما يخفض الإيرادات مقارنة بالسوق الأمريكي، رغم أن نسبة استهلاك الأدوية للفرد قد تكون مماثلة أو أعلى. كما تنتشر ثقافة استخدام البدائل الجنيسة بشكل أكبر في أوروبا فور انتهاء براءة اختراع الدواء، مما يقلل حصة الأدوية الأصلية باهظة الثمن. مع ذلك تبقى أوروبا سوقا مهما حقق أكثر من خُمس المبيعات العالمية، وتستمر الحاجة فيها للأدوية المزمنة والحديثة بفضل شيخوخة السكان وزيادة انتشار الأمراض غير السارية.
وفي المقابل، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، فلا تزال حصة هذه المنطقة صغيرة نسبيا على الصعيد العالمي، لكنها تشهد نموا متسارعا. قدرت قيمة سوق الدواء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو -42% فقط من حجم السوق العالمي، ورغم صغر هذه الحصة، يسجل نمو سنوي يقارب 10% في أسواق المنطقة متجاوزا معدل النمو العالمي (4–6%). يعود ذلك لعوامل ديمغرافية وصحية منها ازدياد السكان وارتفاع متوسط الأعمار وتغير أنماط الحياة ما أدى إلى انتشار أكبر للأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري والسمنة.
وأيضا، دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية خصوصا، تمتاز بقدرة إنفاق عالية على الرعاية الصحية، مع ميل ثقافي نحو الأدوية المستوردة ذات العلامة التجارية. فعلى سبيل المثال، تستورد حوالي 85% من الأدوية في السعودية ومعظمها علامات تجارية أجنبية، بينما تعتمد دول أخرى كمصر على الإنتاج المحلي، ويشكل الدواء الجنيس نسبة 90% من استهلاكها.
هذه التباينات الإقليمية في تفضيل الأدوية الأصلية مقابل الأدوية الجنيسة (البديلة للأدوية الأصلية)، إضافة إلى اختلاف سياسات الدعم والتسعير الحكومي، ترسم مشهدا متنوعا لسوق الدواء في الشرق الأوسط. وبشكل عام، مع استمرار الارتفاع في معدلات الأمراض المزمنة في المنطقة وتحسين خدمات الصحة الحكومية، يتوقع أن تزيد أهمية الأسواق الشرق أوسطية وشمال أفريقيا كشريحة مساهمة في مبيعات الأدوية العالمية خلال السنوات القادمة.
وفي منطقة آسيا، يتسم الوضع بالتباين بين دول متقدمة ونامية. اليابان مثلا تعد ثاني أكبر سوق دوائي منفرد بعد الولايات المتحدة من حيث القيمة، وتتميز بإنفاق عال على الأدوية الحديثة (رغم توجهها لخفض الأسعار دوريا). الصين أيضا برزت كسوق عملاق خلال العقدين الأخيرين، وأصبحت من أكبر الدول استهلاكا للأدوية بحصة متنامية عالميا مع تضخم نظامها الصحي لتلبية احتياجات أكثر من 1.4 مليار نسمة. حيث تقدر حصة آسيا والمحيط الهادئ مجتمعة (بما فيها الصين والهند واليابان) بحوالي ربع السوق العالمي أو أكثر، مع توقعات بمواصلة الارتفاع. حيث إن كثيرا من دول آسيا تعتمد على الإنتاج المحلي للأدوية الجنيسة لتوفير التكلفة، لكن الطلب على العلاجات المبتكرة في تزايد مع نمو دخل الفرد وتحسين التغطية الصحية. وبذلك، أصبحت آسيا محركا مهما سواء في حجم استهلاك الأدوية (حيث تتصدر في عدد الجرعات الموزعة لكبر عدد السكان) أو في نمو الإيرادات لشركات الدواء التي تتوسع في هذه الأسواق سريعة النمو.
nabilalhakamy@