باسل النيرب

هندسة التضليل الإعلامي

الخميس - 04 ديسمبر 2025

Thu - 04 Dec 2025


ضمن مناطق النزاع وفي الأزمات الاتصالية يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل يومي منشورات تتضمن تضليلا إعلاميا، مما يسهم في تأجيج الصراعات، وتستخدم هذا المنشورات المضللة في إثارة الأزمات الداخلية بين الجمهور الواحد وبين الدول، باستخدام قنوات التواصل الاجتماعي كوسيلة للتأثير ولنشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات.

وتستغل الخوارزميات بالتزامن لتضخيم انتشار المعلومات المضللة من خلال تصفية المعلومات وتخصيصها للمستخدمين وتعديل المحتوى الذي يستهلكونه، وهو ما تشير له الدراسات الحديثة المتخصصة في الخوارزميات التي أشارت إلى أنها يمكن أن تكون بمثابة قنوات للتطرف لأنها تقدم المحتوى بناء على مستويات تفاعل المستخدمين، حيث ينجذب المستخدمون أكثر إلى المحتوى المتطرف والصادم كونه مثيرا للتفاعل، وهنا تستغل حملات التضليل هندسة الخوارزميات لتضخيم المحتوى المتطرف على الإنترنت.

تقوم هندسة الهجمات التضليلية في وسائل التواصل الاجتماعي على الإغراق؛ وهو إغراق وسائل التواصل الاجتماعي برسائل مزعجة لتشكيل سردية أو طمس الآراء المخالفة، والاستراتيجية هنا أن يرسخ التعرض المتكرر لرسالة محددة ومتشابهة في أذهان الجمهور لنشر السردية المرغوب بنشرها، حيث صممت الرسائل لجمهور محدد، ولتحقيق تفاعل معها وبناء مصداقية قبل تعريضهم لآراء مخالفة، والنتيجة هنا بناء انطباع بوجود إجماع واسع النطاق حول رسالة ما غالبا ما تكون مضللة.

كما تنشط هندسة الهجمات التضليلية من خلال الروبوتات وهي برامج آلية قادرة على إنتاج ونشر المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، الكارثي في هذه الهندسة أمران؛ الأول قدرة العديد من الروبوتات للتفاعل مع روبوتات أخرى ومع البشر، وتستخدم لنشر المعلومات المضللة بسرعة واختراق شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية، والثاني يمكن للروبوتات أن تستخدم كبيانات تدريب لنماذج اللغة الكبيرة (LLM) للتأثير على مخرجات روبوتات الدردشة الشائعة وأطلق على هذا «التهيئة لنماذج اللغة الكبيرة»، وتقوم استراتيجية الروبوتات على خلق وهم بأن معلومة واحدة تأتي من مصادر مختلفة ومتنوعة، وبذلك تجعل من محتوى حملات التضليل يبدو موثوقا من خلال نشره بشكل متكرر ومتنوع وسريع، وتحول الخوارزميات الانتباه نحو المحتوى التضليلي.

ومن الهندسيات التضليلية الاستخدام المتعمد للعناوين والصور المصغرة المضللة لزيادة حركة المرور عبر الإنترنت بهدف الربح والوصول للجمهور، وتقوم بها المواقع الإخبارية المضللة وغير الموثوقة بهدف تحقيق وصول أولى على محركات البحث والمواقع الإخبارية، وتنشط معها نظريات المؤامرة التي تقدم تفسيرات بديلة يتصرف فيها الأفراد أو المجموعات التي تسعى لبناء استراتيجية تضليلية إلى توجيه السياسة العامة.

ومع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي انتشر التزييف العميق، وهو محتوى رقمي (صوت وفيديو) يستخدم للتشهير والابتزاز وانتحال الشخصية، ويمكن استخدامها لنشر معلومات مضللة بسرعة تضرب الأشخاص، الدول، والروايات.

ومن خلال هندسة التضليل ظهرت غرف الصدى، وهي بيئة اختيارية تقوم على المتابعة وترشيحات المنصات بناء على ما تقترحه الخوارزميات من متابعة أو موضوعات يواجه فيها المشاركون معتقدات وآراء تتوافق مع آرائهم الخاصة، ويرافقها بشكل متزامن الأخبار الكاذبة التي تقدم فيها حقائق كاذبة على أنها حقائق موثوقة لنزع المصداقية من وسائل الإعلام الإخبارية، بالإضافة إلى ظهور شخصيات ومواقع الكترونية بهدف عرض ونشر معلومات مضللة بطريقة تجعلها تبدو موثوقة، والمواقع المشاركة في هندسة التضليل ربما تكون مواقع إخبارية أو علمية أو مهنية تستخدم التفسير العلمي أو المهني لتبدو شرعية وذات مصداقية.

خلاصة القول، إن برامج التثقيف الرقمي والإعلامي تمكن الجمهور من مشاركة أكثر مرونة وفاعلية لتعزيز مهارات التفكير النقدي، والتي تمكن الجمهور بشكل واضح من التعرف على التضليل الإعلامي وكشفه، كذلك الاستثمار في الأدوات والآليات التي تدعم التحقق المستقل من الحقائق، والارتكاز إلى القانون والتشريعات لحماية حقوق الأفراد أو الأمن الداخلي من التضليل دون المساس في حق التعبير.