باسل النيرب

الهيمنة الرقمية وانتشار وباء المعلومات

الثلاثاء - 25 نوفمبر 2025

Tue - 25 Nov 2025

بدأ الاستخدام الأول لمصطلح "وباء المعلومات" في 11 مايو 2003 في صحيفة واشنطن بوست، عندما أشار خبير السياسة الخارجية "ديفيد روثكوف" إلى "وباء المعلومات"، أو "الوباء المعلوماتي"، في سياق تفشي مرض السارس بين عامي 2002 و2004.

والمقصد في "وباء المعلومات" هو وفرة من المعلومات سواء كانت معلومات كاذبة أو مضللة، ضمن البيئات الرقمية والمادية أثناء تفشي مرض ما، مما يسبب ارتباكا وسلوكيات قد تضر بالصحة العامة، وانعدام الثقة بالسلطات الصحية، ويقوض الاستجابة للصحة العامة، ويفاقم وباء المعلومات أمد انتشار المرض عندما يكون الجمهور غير متأكد مما يجب عليهم فعله لحماية الصحة العامة.

"وباء المعلومات" جزء من الحياة الرقمية، ويعود بشكل أساسي إلى الطبيعة البشرية للانتماء إلى مجموعات تقدم معلومات محددة سواء كانت مقبولة أو مرفوضة، ومع غياب مهارات التحقق يجعل التعرض لتأثير هذه الفقاعات التي تشكل وباء معلوماتيا أكثر مما يؤدي إلى تعزيز الشعور بالصواب المطلق وتجاهل المعلومات المخالفة.

وتلعب منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث في عصر الهيمنة الرقمية دورا محوريا في تشكيل الوباء المعلوماتي، وتتسلل إلى الجمهور من خلال فقاعات المعلومات ضمن دوائر معرفية ضيقة تعكس بشكل واضح معتقداتهم التي تتشكل بفعل خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، مما يسهم في تعزيز التحيزات الفكرية وعزل التوجهات المختلفة، وهذا يؤثر بشكل واضح على اتخاذ القرار.

ولهذا فإن أعقد ما أصاب منصات التواصل الاجتماعي غياب المصداقية، وبحكم السرعة والرغبة في الانتشار للوصول إلى الـTREND، ظهرت مقاطع لأشخاص لا معرفة لهم ولا خبرة أو حتى تخصص يقدمون نصائح علاجية ووصفات تتضمن منتجات وأعشابا وحبوبا مجهولة المصدر لتصبح في غضون ساعات متداولة على مختلف المنصات.

ومع انتشار هذه الممارسات أصبح الوعي الرقمي حاسما في مواجهة المحتوى الزائف، فمقابل كل منشور علمي حقيقي، نجد عشرات المنشورات الزائفة، التي تتضمن نصائح طبية وغذائية لا تستند إلى أي حقيقة علمية، يقوم بها مشاهير ومؤثرون، تجد لها قبولا وتداولا من قبل الجمهور، في مسعى للوصول إلى الـTREND والتكسب المادي على حساب الصحة العامة، مما يودى إلى شيوع ممارسات غير صحية وخرافات طبية تمس الصحة العامة، كما يرافقها تفش لظاهرة الأدوية المقلدة التي تباع بأسعار منخفضة وتؤثر على الصحة العامة.

نحن اليوم بكل تأكيد في عصر "فوضى المعلومات"، والخطاب الزائف ينتشر بالعاطفة، ومن أكثر الظواهر حساسية وخطورة في الفضاء الرقمي الخطاب الزائف حول العلوم وخاصة في الطب والصحة العامة، والحديث غير العلمي عن الصحة العامة والطب اتخذ أشكالا متعددة؛ وأصبح نمطا تواصليا تدعمه خوارزميات المنصات نفسها التي تكافئ المحتوى الذي يثير الفضول والانفعال والعاطفة أكثر مما تكافئ الدقة العلمية، والخطر هنا يتجاوز الجانب المعرفي إلى أبعاد اجتماعية وصحية ونفسية وأمنية، والتي منها تآكلت الثقة بالعلم والمؤسسات الطبية، فالكثير من المحتوى المنشور تسبقه عبارة من نوع "التجربة الشخصية" التي أصبحت بديلا عن التجربة العلمية.

وهنا تختلط الحقيقة بسبب العلم الزائف، ويتسطح الوعي العام وتفقد المجتمعات قدرتها على التمييز بين الحقيقة العلمية والرأي الشخصي، فالجمهور ينظر للمصداقية من خلال عدد المتابعين والتواجد اليومي دون النظر إلى المؤهل العلمي، فالخبرة لا تقاس بالشعبية، وانتشار النفايات الاجتماعية التي تصف نفسها بالمؤثرة وهي في عمومها ليست خبيرة، بل باحثة عن الشهرة والأضواء، يتطلب من المتخصصين التواصل المباشر مع الجمهور بلغة سهلة وبسيطة وإنسانية، وهذا الغياب للمتخصص يفسح المجال لملء الفراغ بالخطاب غير الموثوق، لأن الحرية في النشر لا تعني المساواة في المعرفة، واستسهال استشارة غير المختص، يؤدي بدوره إلى تقويض الثقة بالعلم.

ختاما، إن العدالة الخوارزمية مطلب من خلال وضع إشارة على المحتوى الموثوق، وهو ما يجعل الخوارزميات أكثر مسؤولية، لأن الحديث غير الموثوق عن القضايا العلمية والقانونية والغذائية والاجتماعية والدينية تترتب عليه آثار معرفية وسلوكية وصحية بالغة الخطورة، فعندما تنتشر المعلومات الخاطئة أو غير الدقيقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، تؤدي إلى تضليل الجمهور وتشويش الوعي الاجتماعي والديني والعلمي، وهذا يجعلهم أكثر عرضة للانجرار خلف الإشاعات واتباع ممارسات غير آمنة، والحل ليس بالضرورة حملات توعوية لزيادة وعي الجمهور بخطورة الحديث غير العلمي، أو مداخلات طبية وصفحات ومواقع طالما أن المعلومات الزائفة تنتشر أسرع من المعلومات الموثقة بل في تعزيز مسألة التفكير النقدي والتحقق المعلوماتي لكشف المعلومات المغلوطة.