نيفين عباس

من الرياض إلى واشنطن... خطوة ترسم مستقبل التحالف وتكشف براعة الأمير الشاب

الاثنين - 24 نوفمبر 2025

Mon - 24 Nov 2025

لم تكن زيارة الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - الأخيرة إلى الولايات المتحدة مجرد رحلة دبلوماسية معتادة، بل لحظة سياسية تتكثف فيها ملامح مشروع يتجاوز حدود الزيارة إلى إعادة رسم مكانة السعودية في النظام الدولي الجديد، فمنذ وصوله إلى موقع القرار وحتى مغادرته، أثبت الأمير الشاب أنه لا يتحرك من موقع رد الفعل، بل من موقع الفاعل الذي يمتلك رؤية واضحة، وجرأة محسوبة، وقدرة لافتة على قراءة التحولات الكبرى في العالم، وفي واشنطن بدا ذلك أكثر وضوحا من أي وقت مضى، إن براعة ولي العهد تكمن في أنه يمارس القوة الهادئة، لا يرفع صوته، ولا يبالغ في الوعود، لكنه يدخل كل ملف حاملا معه أوراقا اقتصادية وسياسية تجعل المملكة شريكا لا يمكن تخطيه، فهو يدرك أن العالم اليوم يتشكل على وقع صراعٍ بين القوى الكبرى، وأن الفرصة التاريخية تكمن في الدخول بثبات في مركز المعادلة، لا في هامشها، وفي هذه الزيارة تحديدا ظهرت مجموعة إنجازات لا يمكن فصلها عن شخصية الأمير ولا عن ملامح السعودية الجديدة.

أول هذه الإنجازات كان الاتفاق على رفع حجم الاستثمارات السعودية داخل الولايات المتحدة ليصل إلى تريليون دولار، وهذا ليس رقما للاستهلاك الإعلامي، بل خطوة واعية تظهر أن المملكة تريد علاقة تقف على قاعدة المصالح المتبادلة، لا علاقة أحادية الاتجاه، وبهذا القرار قدم ولي العهد رسالة واضحة بأن السعودية ليست دولة نفط فقط، بل قوة اقتصادية عالمية تملك القدرة على ضخ رؤوس أموال هائلة في القطاعات التكنولوجية، والصناعية، والبنية التحتية.

الإنجاز الثاني كان التقدم في ملف الطاقة النووية المدنية، عبر ميثاق تعاون يسمح للمملكة ببناء مشروع نووي سلمي يعتمد على نقل حقيقي للمعرفة، هذه الخطوة ليست تقنية فحسب، بل سياسية أيضا، لأنها تعني استقلالا أعلى في مصادر الطاقة، وتحولا جذريا في البنية الاقتصادية للمملكة خلال العقود المقبلة، أما الإنجاز الثالث فهو الاتفاق الدفاعي الاستراتيجي، الذي يتضمن حصول السعودية على مقاتلات "إف-35"، هذه الخطوة لا تعزز القدرات العسكرية للمملكة فحسب، بل تعني أيضا أن العلاقة الأمنية مع واشنطن تنتقل لمستوى الشراكة الفعلية، لا الحماية المشروطة، بل إنها رسالة تقول إن الرياض اليوم قوة إقليمية مركزية، الإنجاز الرابع يتمثل في التعاون التقني الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية الرقمية، لأن ولي العهد لا يتعامل مع التقنية كترف، بل كبوابة لمستقبل الدولة، من خلال شراكات واسعة في مجالات البيانات، والحوسبة، والذكاء الاصطناعي، حيث يضع الأمير الأساس لتحويل المملكة إلى مركز تكنولوجي في المنطقة.

حرص ولي العهد في زيارته على لقاء أعضاء الكونغرس، وهي رسالة لا تقل أهمية عن الاتفاقات الاقتصادية، فالسعودية لا تبني علاقاتها على قنوات أحادية، بل تتواصل مع كل المؤسسات المؤثرة في القرار الأمريكي، بما يعزز حضورها السياسي ووزنها في ملفات المنطقة، لم تكن الزيارة مجرد إنجازات متناثرة، بل جزء من مشروع أكبر يقوده الأمير محمد بن سلمان بثقة وهدوء، مشروع يجعل المملكة لاعبا أساسيا في تشكيل قواعد السياسة الدولية، ويضعها في موقع الشريك لا التابع، وفي موقع الصانع لا المتلقي، إنها زيارة أظهرت قائدا يعرف جيدا كيف يتحرك في عالم مضطرب، وكيف يحول لحظات التاريخ المتغيرة إلى فرص تبني دولة وقوة ومستقبلا.

NevenAbbass@