الباحة.. عاصمة المدن الزراعية المتخصصة في المملكة
الخميس - 20 نوفمبر 2025
Thu - 20 Nov 2025
تتقدم الباحة اليوم بخطى واثقة نحو موقع جديد في خارطة التنمية الوطنية؛ منطقة صغيرة في مساحتها، كبيرة في طاقتها الإنتاجية، تمتاز بمناخ بارد وارتفاعات خصبة ورصيد طبيعي يسمح بانتقالها من الزراعة التقليدية إلى نموذج زراعي أكثر تقدما يقوم على التخصص والابتكار، وهذا التحول يضع الباحة أمام فرصة تاريخية لتكون مركزا زراعيا ذا قيمة، قادرا على إثراء منظومة الأمن الغذائي وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني.
ومع التحولات التي أرستها رؤية المملكة 2030، باتت الزراعة عنصرا استراتيجيا في اقتصاد المستقبل؛ قطاعا مرتبطا بالصناعة، والوظائف النوعية، والسياحة الريفية، وسلاسل القيمة المضافة، وفي هذا الإطار تتقدم المناطق المؤهلة لتبني نموذج المدن الزراعية المتخصصة، وهو النموذج الذي يمنح المناطق الزراعية قدرة على تكوين هوية إنتاجية واضحة، تستند إلى جودة المنتج، وتكامله الصناعي، وقابليته للتسويق والتصدير.
وفي البعد العالمي لهذا التحول، تظهر تجارب دول نجحت في بناء محاصيل تعد علامات وطنية لها؛ مثل إسبانيا في الزيتون، ونيوزيلندا في الألبان والأعسال، وإثيوبيا في البن، وهذه النماذج تبرهن أن التركيز على منتجات محددة عالية القيمة يمكن أن يتحول إلى صناعة متكاملة تنهض بالمناطق الريفية، وتخلق اقتصادات قائمة على المعرفة، وتفتح أسواقا واسعة للمنتج الوطني، ومن هنا تتشكل في المملكة رغبة واضحة للاستفادة من هذا الاتجاه، والباحة تمتلك المقومات الطبيعية والموارد التي تجعلها مؤهلة لتقديم نموذج سعودي متقدم في هذا المسار.
وقد أسهمت الرؤية الاستراتيجية للمنطقة بقيادة الأمير الدكتور حسام بن سعود في توجيه هذا التحول باتجاه رؤية تنموية واضحة؛ رؤية جعلت من الاستثمار الزراعي خيارا استراتيجيا، ودعمت مشروعات اللوز والبُنّ والعسل لتتحول من محاصيل متفرقة إلى منظومات إنتاج معتمدة على البحث، والتصنيع، والتسويق، والشراكات الاستثمارية، وهذا التوجه لا يستهدف رفع الإنتاج فحسب، بل بناء صناعة ريفية كاملة تتداخل فيها التقنيات، وجودة المختبرات، ومراكز التدريب، وسلاسل الإمداد، ليصبح المنتج جزءا من اقتصاد مستدام لا يعتمد على الزراعة وحدها، بل على منظومة تصنع القيمة في كل مراحل الإنتاج.
وتبرز مدينة اللوز بوصفها نموذجا أحدث لهذا التحول؛ إذ يتحول فيها اللوز من محصول جبلي محدود إلى صناعة اقتصادية قائمة على المشاتل المتخصصة، ومختبرات الجودة، والمصانع التحويلية، والهوية التجارية القادرة على دخول الأسواق وفتح منافذ للتصدير، ويوازي ذلك مشروع مدينة البن التي تمنح المملكة فرصة لاستعادة موقعها التاريخي في القهوة العربية عبر بيئة جبلية مناسبة، ومنظومة تمتد من الحقول إلى أكاديميات التحميص، ومن المختبرات إلى منصات البيع المتخصصة، بما يعزز تنافسية المنتج ويدعم استقراره في الأسواق العالمية.
أما مدينة العسل فتقدم نموذجا يعتمد على إرث جبلي عريق، يتحول فيه الإنتاج الفردي إلى منظومة أكثر تقدما، تمنح العسل الجبلي هوية اقتصادية قادرة على المنافسة، ويضعه ضمن السلع ذات القيمة العالية في الأسواق الإقليمية والدولية.
وبقيام هذه المدن الثلاث تتشكل للباحة خريطة اقتصادية جديدة، خريطة تربط الجغرافيا بالهوية، وتحول القرى إلى مراكز إنتاج متخصصة، وتستقطب الاستثمار، وتخلق وظائف نوعية، وتمنح المنطقة موقعا رياديا في الأمن الغذائي الوطني، وتقدم نموذجا سعوديا جديدا في بناء المدن الزراعية المتخصصة.