درامانا الفقيرة!
الثلاثاء - 11 نوفمبر 2025
Tue - 11 Nov 2025
كانت وما تزال الدراما التلفزيونية وسيلة تؤثر على تصورات الناس وقيمهم وسلوكياتهم، فالمادة الدرامية التي تعد بشكل متقن تحدث أثرا في وعي الناس، من خلال سرد الواقع وعرضه بطريقة مشوقة، خاصة حين تقترب موضوعاتها من حياة الناس ومشكلاتهم الاجتماعية، والاقتصادية، وغيرها. أو تلامس تاريخ وطنهم ورموزهم، مع وجود التباين في طبيعة الأثر بين أثر إيجابي وآخر سلبي، تبعا لما تحمله المادة الدرامية من مضمون ومن معلومات وقيم ومصداقية، يرتبط ذلك بمستوى براعة فريق العمل وإحساسهم بمسؤولية "الرسالة"، وطبيعة الأثر الذي يهدفون لإحداثه في وعي المتلقي.
قبل أكثر من (40) عاما، كان أفراد الأسرة السعودية يتحلقون "بشغف" حول شاشة التلفزيون السعودي، مشدودين إلى القناة الأولى و"الوحيدة"، لاحقا دشنت القناة الثانية باللغة الإنجليزية، كان المحتوى محدودا وتقليديا، لكنه لم يكن كذلك في نظر ذلك الجيل، وليس في ذلك غرابة فالجود من الموجود، كما يقال.
في وقتنا الحالي تغيرت النظرة للمحتوى الدرامي بشكل جذري، فوفرة المعروض، وارتفاع ذائقة المتلقي ونمو وعيه وتعدد الخيارات أمامه، جعلته انتقائيا في الغالب، مع استثناء فئات الأطفال والمراهقين، خاصة في خضم التنامي الكبير لمنصات البث عبر الإنترنت، وسهولة تعرضهم للمسلسلات وغيرها مما يبث على تلك المنصات.
ما يعنينا تحت مظلة الدراما في هذا المقال، هي الدراما السعودية، الحاضرة الغائبة، حضور الاسم وغياب الأثر! فمنذ ثمانينات القرن الماضي والمشاهد السعودي يتلهف لدراما تليق بتطلعاته وتمثل مجتمعه وثقافته، لكن ضعف المنتج المحلي وندرته أغريا صناع الدراما العربية؛ الذين تسابقوا لسد العجز رغم تواضع البديل المصدر منهم إلينا، - على سبيل المثال - كانت المسلسلات "البدوية" مطلبا للمشاهد في السعودية، بحكم عراقة المجتمع وارتباطه بحياة البداوة، ولأن الإنتاج المحلي كان عاجزا عن إشباع حاجة المشاهدين في هذا الجانب، وجد المنتجون والممثلون الأردنيون طريقا إلى أعين وقلوب السعوديين من خلال عشرات المسلسلات "البدوية"، التي ما زال أبناء ذلك الجيل يذكرون كثيرا من تفاصيلها وشخصياتها، رغم ضعف المنتج وعدم مطابقته للواقع المراد تمثيله، سواء من حيث اللهجة أو أعراف القبائل وأشعارهم وتعاملاتهم اليومية، ومع ذلك حققت تلك الأعمال رواجا كبيرا رغم "رداءتها"!
واليوم ومع تطور أداء المشتغلين في مجالات الدراما، سواء في مستوى الأداء ومهارات الممثلين، وقدرتهم على تجسيد الشخصيات، أو تنامي وعي وقدرة الكتاب على إتقان الكتابة عن الواقع المراد تشخيصه أو الأثر المراد تحقيقه، إضافة إلى ما جد من تقنيات عالية في مجال الصوت والصورة والمؤثرات، في ظل هذه المتغيرات برزت بعض الدول في مجال الدراما التلفزيونية، حتى صارت المسلسلات ضمن صادراتها للدول "الفقيرة دارميا".
في الواقع إن الدول التي نجحت في مجال الدراما، لا تهتم بالعائد المادي قدر اهتمامها بتوظيف الدراما كأداة لدبلوماسيتها الناعمة "قوة الترفيه الإقناعية". وهو منهج سياسي أثبتت التجارب تأثيره الكبير في الترويج للتاريخ والثقافة والقيم، وحتى للسياحة والمنتجات الوطنية في تلك الدولة الرائدة دراميا، وهو ما يمكن تلمسه في واقع دول اشتهرت في هذا المضمار مثل تركيا وكوريا الجنوبية.
في خضم هذا التسابق المحموم في مجال الدراما، ورغم عمرها المديد، ما تزال الدراما السعودية في (معظم إنتاجها) تتعثر بين منتج لا ينشد غير الربح المادي، دون إحساس بمسؤوليته الأخلاقية والوطنية، وممثل يفشل مرة تلو الأخرى في تقمص أبسط الشخصيات وأقلها تعقيدا، وكاتب لا يجيد غير جلد الذات وإظهار مساوئ مجتمعه وتضخيمها حد البهتان والكذب!
لا شك أن السعودية تستحق "دراما تلفزيونية" تليق بتاريخها، وعراقة مجتمعها، وما قدموه ويقدمونه لأمتهم وللشعوب كافة، إذ تحتضن السعودية ودول الخليج أكثر من 30 مليون وافد ينعمون بحياة هانئة طيبة، كما يجوب الآلاف من السعوديين دول العالم مكلفين من قيادتهم، لمد يد المساعدة لأمم الأرض وبخاصة في الدول الفقيرة أو المنكوبة، مع ما يكتنف هذا الحراك الاجتماعي والتفاعل الإنساني من قصص وحكايات وتضحيات تستحق الرصد والمعالجة الدرامية "الموضوعية"؛ لتنقل واقعا إنسانيا يكتنفه الصواب والخطأ المشفوع بسلامة المقصد. لكنك لا ترى شيئا من ذلك، إنما ترى العكس غالبا! حين تصر تلك الدراما "العمياء" على قولبة شبابنا في شخصيات لا تمثلهم، وكأنما مهمة صناع الدراما المحلية، هي تشويه المجتمع مع سبق الإصرار والترصد!
قبل أكثر من (40) عاما، كان أفراد الأسرة السعودية يتحلقون "بشغف" حول شاشة التلفزيون السعودي، مشدودين إلى القناة الأولى و"الوحيدة"، لاحقا دشنت القناة الثانية باللغة الإنجليزية، كان المحتوى محدودا وتقليديا، لكنه لم يكن كذلك في نظر ذلك الجيل، وليس في ذلك غرابة فالجود من الموجود، كما يقال.
في وقتنا الحالي تغيرت النظرة للمحتوى الدرامي بشكل جذري، فوفرة المعروض، وارتفاع ذائقة المتلقي ونمو وعيه وتعدد الخيارات أمامه، جعلته انتقائيا في الغالب، مع استثناء فئات الأطفال والمراهقين، خاصة في خضم التنامي الكبير لمنصات البث عبر الإنترنت، وسهولة تعرضهم للمسلسلات وغيرها مما يبث على تلك المنصات.
ما يعنينا تحت مظلة الدراما في هذا المقال، هي الدراما السعودية، الحاضرة الغائبة، حضور الاسم وغياب الأثر! فمنذ ثمانينات القرن الماضي والمشاهد السعودي يتلهف لدراما تليق بتطلعاته وتمثل مجتمعه وثقافته، لكن ضعف المنتج المحلي وندرته أغريا صناع الدراما العربية؛ الذين تسابقوا لسد العجز رغم تواضع البديل المصدر منهم إلينا، - على سبيل المثال - كانت المسلسلات "البدوية" مطلبا للمشاهد في السعودية، بحكم عراقة المجتمع وارتباطه بحياة البداوة، ولأن الإنتاج المحلي كان عاجزا عن إشباع حاجة المشاهدين في هذا الجانب، وجد المنتجون والممثلون الأردنيون طريقا إلى أعين وقلوب السعوديين من خلال عشرات المسلسلات "البدوية"، التي ما زال أبناء ذلك الجيل يذكرون كثيرا من تفاصيلها وشخصياتها، رغم ضعف المنتج وعدم مطابقته للواقع المراد تمثيله، سواء من حيث اللهجة أو أعراف القبائل وأشعارهم وتعاملاتهم اليومية، ومع ذلك حققت تلك الأعمال رواجا كبيرا رغم "رداءتها"!
واليوم ومع تطور أداء المشتغلين في مجالات الدراما، سواء في مستوى الأداء ومهارات الممثلين، وقدرتهم على تجسيد الشخصيات، أو تنامي وعي وقدرة الكتاب على إتقان الكتابة عن الواقع المراد تشخيصه أو الأثر المراد تحقيقه، إضافة إلى ما جد من تقنيات عالية في مجال الصوت والصورة والمؤثرات، في ظل هذه المتغيرات برزت بعض الدول في مجال الدراما التلفزيونية، حتى صارت المسلسلات ضمن صادراتها للدول "الفقيرة دارميا".
في الواقع إن الدول التي نجحت في مجال الدراما، لا تهتم بالعائد المادي قدر اهتمامها بتوظيف الدراما كأداة لدبلوماسيتها الناعمة "قوة الترفيه الإقناعية". وهو منهج سياسي أثبتت التجارب تأثيره الكبير في الترويج للتاريخ والثقافة والقيم، وحتى للسياحة والمنتجات الوطنية في تلك الدولة الرائدة دراميا، وهو ما يمكن تلمسه في واقع دول اشتهرت في هذا المضمار مثل تركيا وكوريا الجنوبية.
في خضم هذا التسابق المحموم في مجال الدراما، ورغم عمرها المديد، ما تزال الدراما السعودية في (معظم إنتاجها) تتعثر بين منتج لا ينشد غير الربح المادي، دون إحساس بمسؤوليته الأخلاقية والوطنية، وممثل يفشل مرة تلو الأخرى في تقمص أبسط الشخصيات وأقلها تعقيدا، وكاتب لا يجيد غير جلد الذات وإظهار مساوئ مجتمعه وتضخيمها حد البهتان والكذب!
لا شك أن السعودية تستحق "دراما تلفزيونية" تليق بتاريخها، وعراقة مجتمعها، وما قدموه ويقدمونه لأمتهم وللشعوب كافة، إذ تحتضن السعودية ودول الخليج أكثر من 30 مليون وافد ينعمون بحياة هانئة طيبة، كما يجوب الآلاف من السعوديين دول العالم مكلفين من قيادتهم، لمد يد المساعدة لأمم الأرض وبخاصة في الدول الفقيرة أو المنكوبة، مع ما يكتنف هذا الحراك الاجتماعي والتفاعل الإنساني من قصص وحكايات وتضحيات تستحق الرصد والمعالجة الدرامية "الموضوعية"؛ لتنقل واقعا إنسانيا يكتنفه الصواب والخطأ المشفوع بسلامة المقصد. لكنك لا ترى شيئا من ذلك، إنما ترى العكس غالبا! حين تصر تلك الدراما "العمياء" على قولبة شبابنا في شخصيات لا تمثلهم، وكأنما مهمة صناع الدراما المحلية، هي تشويه المجتمع مع سبق الإصرار والترصد!