حسين باصي

تحدث لتفهم، لا لتتكلم

الثلاثاء - 11 نوفمبر 2025

Tue - 11 Nov 2025


إن جوهر العمل في أي مشروع يكمن في مجموعة من العمليات المنظمة التي تضمن سيره قدما نحو تحقيق الأهداف المرجوة، وهذه العمليات، التي يبلغ عددها تسعا وأربعين عملية في الإطار المرجعي لإدارة المشاريع المعروف عالميا PMP، توزع على مراحل زمنية خمس هي البدء، والتخطيط، والتنفيذ، والمراقبة والتحكم، والإغلاق. بالنظر إلى هذا التوزيع، نجد أن مرحلة التخطيط تستحوذ على النصيب الأكبر من الجهد والعمليات، حيث تتركز فيها جهود بناء الأساس المتين للمشروع، تليها مرحلة المراقبة والتحكم التي تعنى بضمان الالتزام بالخطط الموضوعة وتصحيح أي انحرافات، ثم مرحلة التنفيذ التي تمثل تحويل الخطط إلى واقع.

وعلى الرغم من أهمية التخطيط والتحكم، إلا أن الخبرة العملية في إدارة المشاريع تظهر أن فن الاتصال هو العنصر الحاسم الذي يربط كل هذه العمليات ببعضها بعضا ويضمن فعاليتها. فالمهام التي تندرج تحت إدارة الاتصالات وأصحاب المصلحة، والتي تتوزع بذكاء على مختلف المراحل، تؤكد أن نقل المعلومات بوضوح ودقة، وفهم توقعات واهتمامات كل طرف معني بالمشروع، هما الأساس الذي يبنى عليه النجاح. إن الفهم المتبادل بين فريق العمل والعملاء والموردين والإدارة العليا هو الذي يزيل الغموض ويقلل من النزاعات، مما يجعل الاتصال الفعال بمثابة شريان الحياة الذي يغذي تقدم المشروع واستقراره.

من هذا المنطلق، يمكن القول بثقة إن مدير المشروع يقضي نسبة كبيرة من وقته في التواصل، ليس فقط لإصدار الأوامر أو إعداد التقارير، بل لاستشعار نبض المشروع، والتأكد من أن الجميع يعمل بانسجام وعلى الوتيرة نفسها. ومن فنيات التواصل الناجح في بيئة العمل تبرز أهمية الاستماع النشط لتفهم الرسالة كاملة، والوضوح والإيجاز في صياغة الرسائل المكتوبة والشفوية لتجنب سوء التفسير، واختيار القناة المناسبة للرسالة - فسواء كان الأمر يتعلق باجتماع رسمي لمناقشة التغييرات الكبرى أو مجرد رسالة سريعة للتأكيد على تفاصيل صغيرة، فإن الأداة يجب أن تخدم الغرض.

إن هذا الإطار المعياري للعمليات في إدارة المشاريع يقدم أفضل الممارسات والأطر النظرية التي وضعت لتكون بمثابة مرشد، ولكن من المهم جدا التأكيد على أنه ليس وصفة جامدة يجب اتباعها بحذافيرها في كل مشروع. فالبيئات التنظيمية وأنواع المشاريع تختلف، وما يصلح في قطاع قد لا يناسب قطاعا آخر. إن التطبيق الحرفي والصرامة المفرطة في تطبيق كل عملية قد يتحولان في الواقع إلى عبء بيروقراطي يعيق سرعة الإنجاز ويفقد الفريق مرونته وقدرته على التكيف مع المتغيرات. يجب على مدير المشروع المحترف أن يمتلك الذكاء اللازم لتكييف هذه العمليات واختيار ما يتناسب منها مع طبيعة المشروع وحجمه وثقافة المنظمة، ليضمن سير العمل بسلاسة وفعالية بدلا من عرقلته بالشكليات غير الضرورية. وهكذا، يكون الإطار المرجعي أداة في يد المدير الماهر، وليس قيدا يحد من حركته نحو تحقيق إنجازات عملية وملموسة.

HUSSAINBASSI@